أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ

Home / التفسير / أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:” أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ” 

يقول الامام ابن القيم رحمه الله : ” فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا : مَنْ كَانَ مَيِّتَ الْقَلْبِ بِعَدَمِ رُوحِ الْعِلْمِ وَالْهُدَى وَالْإِيمَانِ ، فَأَحْيَاهُ الرَّبُّ تَعَالَى بِرُوحٍ أُخْرَى غَيْرِ الرُّوحِ الَّتِي أَحْيَا بِهَا بَدَنَهُ ، وَهِيَ رُوحُ مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ ، وَمَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ؛ إِذْ لَا حَيَاةَ لِلرُّوحِ إِلَّا بِذَلِكَ ، وَإِلَّا فَهِيَ فِي جُمْلَةِ الْأَمْوَاتِ ، وَلِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ عُدِمَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ ، فَقَالَ : ” أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ” ، وَقَالَ تَعَالَى : “ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ”  .

وَسُمِّيَ وَحْيُهُ رُوحًا ، لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ ، فَقَالَ تَعَالَى :” وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا “

فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رُوحٌ تَحْصُلُ بِهِ الْحَيَاةُ ، وَأَنَّهُ نُورٌ تَحْصُلُ بِهِ الْإِضَاءَةُ ، وَقَالَ تَعَالَى : “ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ” ، 
وَقَالَ تَعَالَى : رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ  “
فَالْوَحْيُ حَيَاةُ الرُّوحِ ، كَمَا أَنَّ الرُّوحَ حَيَاةُ الْبَدَنِ ، وَلِهَذَا مَنْ فَقَدَ هَذِهِ الرُّوحَ فَقَدْ فَقَدَ الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَحَيَاتُهُ حَيَاةُ الْبَهَائِمِ ، وَلَهُ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَهُ جَهَنَّمُ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا .

وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ لِأَهْلِ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى : “ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” .

وَقَدْ فُسِّرَتِ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ بِالْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا ، وَالرِّزْقِ الْحَسَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، 
وَالصَّوَابُ : أَنَّهَا حَيَاةُ الْقَلْبِ وَنَعِيمُهُ ، وَبَهْجَتُهُ وَسُرُورُهُ بِالْإِيمَانِ وَمَعْرِفَةُ اللَّهِ ، وَمَحَبَّتُهُ ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا حَيَاةَ أَطْيَبُ مِنْ حَيَاةِ صَاحِبِهَا ، وَلَا نَعِيمَ فَوْقَ نَعِيمِهِ إِلَّا نَعِيمَ الْجَنَّةِ ، 
وَإِذَا كَانَتْ حَيَاةُ الْقَلْبِ حَيَاةً طَيِّبَةً تَبِعَتْهُ حَيَاةُ الْجَوَارِحِ ، فَإِنَّهُ مَلَكَهَا ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ ، وَهِيَ عَكْسُ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ . 
وَهَذِهِ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَكُونُ فِي الدُّورِ الثَّلَاثِ ، أَعْنِي : دَارَ الدُّنْيَا ، وَدَارَ الْبَرْزَخِ ، وَدَارَ الْقَرَارِ ، وَالْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ أَيْضًا تَكُونُ فِي الدُّورِ الثَّلَاثِ ، فَالْأَبْرَارُ فِي النَّعِيمِ هُنَا وَهُنَالِكَ ، وَالْفُجَّارُ فِي الْجَحِيمِ هُنَا وَهُنَالِكَ . ” اه مدارج السالكين

Visits: 351