الاشاعرة فِرقة كلاميّة مُحدثة

Home / العقيدة والمنهج / الاشاعرة فِرقة كلاميّة مُحدثة
الاشاعرة فِرقة كلاميّة مُحدثة
بسم الله الرحمن الرحيم
الاشاعرة فرقة كلامية طارئة, نشأت بعد القرون الفاضلة فهي تنتسب إلى الإمام أبي الحسن علي ابن إسماعيل الأشعري المتوفى سنة (324هـ) رحمه الله وكان معتزليا, ثم تحول عن المعتزلة عام (300هـ) تقريبا, وصار يرد عليهم بأساليبهم الكلامية من جانب, وبنصوص الكتاب والسنة من جانب آخر, وبهذا وقف للمعتزلة وتصدى لهم وهو ومن نهج منهجه حتى أفحمهم وهذا عمل جليل يحمد له.
وفي هذا الجو نشأ مذهب عقدي تلفيقي مخضرم, لا هو سني خالص ولا كلامي عقلاني خالص, حتى هدأت العاصفة وانجلى غبار المعركة ضد المعتزلة, وقد أبلى فيها الإمام أبو الحسن الأشعري بلاء حسنا, وخرج منتصرا على المعتزلة والجهمية, ومن سلك سبيلهم, وهنا استبصر الأشعري الحق وعرف أنه إنما انتصر بتعويله على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ونصره للسنة وأهلها, وقوفه مع أئمة السلف الآخرين.
ثم تراجع عن مقولاته في الصفات وغيرها التي سلك فيها مسلك التأويل والتعويل على العقل, والكلام في أمور الغيب والصفات والقدر فقرر أن يلحق بركب أهل السنة والجماعة فأبان عن ذلك في كتابه (الإبانة) ووفقه الله للتخلص من التلفيق العقدي فقال:
“…..وقولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين, وأئمة الحديث, ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل – نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته – قائلون, ولمن خالف قوله مجانبون…..”
فالأشاعرة تنتسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري قبل عودته إلى أهل السنة, وبعد فراره من الاعتزال, وبالرغم من أنه تخلى عن هذا المذهب, وكتب خلافه في (الإبانة) والمقالات, إلا أن الشاعرة لا يزالون يحملونه تبعته…
فالأشاعرة مذهب طارئ ملفق بين أهل السنة وأهل الكلام, لذلك صاروا أقرب الفرق الكلامية إلى أهل السنة.
ومن جانب آخر فالأشعرية مرت بأطوار تاريخية في كل طور تزداد الشقة بينهم وبين أهل السنة و لا سيما بعد ما أدخل فيها زعماؤهم اللاحقون تلك الأسس والمعتقدات الدخيلة من: الفلسفة, والتصوف, والمنطق, والكلام, والجدل, حتى صارت عقيدة الأشاعرة مزيجا من تلك الأخلاط.
ومن أبرز أولئك: الباقلاني, المتوفى سنة (403هـ) والقشيري المتوفى سنة         (465هـ) وأبو المعالي الجويني, المتوفى سنة (478هـ), وابن العربي المتوفى سنة (543هـ), والغزالي, المتوفى سنة (505), والفخر الرازي, المتوفى سنة     (606هـ), والآمدي المتوفى سنة (682هـ), ونحوهم.
فأصبحت الأشاعرة اليوم مزيجا من المشارب والمعتقدات بين أهل السنة والفلسفة والتصوف, وعلم الكلام, لذلك نجدهم أكثر من ينتسبون للسنة وقوعا في المخالفات العقدية والعبادية (أي بدع العقائد والعبادات) وهذا بخلاف أهل السنة في كل زمان, كما نجد أن كثيرا من الأشاعرة (حاليا) منضوون تحت الطرق الصوفية البدعية. وتكثر فيهم بدع القبور والتبرك البدعي بالأشخاص والأشياء, وبدع العبادات والأذكار والموالد ونحوها. وهذه البدع هي التي تميزهم – حاليا – عن أهل السنة بوضوح.
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي ـ رحمه الله ـ في شرح العقيدة الطحاوية ص 27  :

(( … لَّمَا ابْتَدَعَ شَخْصٌ بِدْعَةً اتَّسَعُوا فِي جَوَابِهَا، فَلِذَلِكَ صَارَ كَلَامُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَثِيرًا، قَلِيلَ الْبَرَكَةِ، بِخِلَافِ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَإِنَّهُ قَلِيلٌ، كَثِيرُ الْبَرَكَةِ، لَا كَمَا يَقُولُهُ ضُلَّالُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَجَهَلَتُهُمْ: ” إِنَّ طَرِيقَةَ الْقَوْمِ أَسْلَمُ، وَإِنَّ طَرِيقَتَنَا أَحْكَمُ وَأَعْلَمُ !” 

وَلا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُمْ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْفِقْهِ: إِنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّغُوا لِاسْتِنْبَاطِ الفقه وَضَبْطِ قَوَاعِدِهِ وَأَحْكَامِهِ اشْتِغَالًا مِنْهُمْ بِغَيْرِهِ ! وَالْمُتَأَخِّرُونَ تَفَرَّغُوا لِذَلِكَ، فَهُمْ أَفْقَهُ !!

فَكُلُّ هَؤُلَاءِ مَحْجُوبُونَ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِ السَّلَفِ، وَعُمْقِ عُلُومِهِمْ، وَقِلَّةِ تَكَلُّفِهِمْ، وَكَمَالِ بَصَائِرِهِمْ.

وَتَاللَّهِ مَا امْتَازَ عَنْهُمُ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَّا بِالتَّكَلُّفِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْأَطْرَافِ الَّتِي كَانَتْ هِمَّةُ الْقَوْمِ مُرَاعَاةَ أُصُولِهَا، وَضَبْطَ قَوَاعِدِهَا، وَشَدَّ مَعَاقِدِهَا، وَهِمَمُهُمْ مُشَمَّرَةً إِلَى الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

فَالْمُتَأَخِّرُونَ فِي شَأْنٍ، وَالْقَوْمُ فِي شَأْنٍ آخَرَ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. )) ا.هـ

والحمد لله رب العالمين .

Visits: 247