هل فُرِضَ الجِلْبَابُ على الحُرَّةِ المسلمة دون الأَمَةِ ؟ وهل تُلْزَمْ الزوجة الكتابيّة به

Home / الفقه / هل فُرِضَ الجِلْبَابُ على الحُرَّةِ المسلمة دون الأَمَةِ ؟ وهل تُلْزَمْ الزوجة الكتابيّة به
هل فُرِضَ الجِلْبَابُ على الحُرَّةِ المسلمة دون الأَمَةِ ؟ وهل تُلْزَمْ الزوجة الكتابيّة به
بسم الله الرحمن الرحيم  
 
أولا :  السماح للزوجة بالتبرج ليس من شأن أهل العفة والإحصان  وإن كانت كتابية، ، وإنما هو من شأن أهل الفجور والفسق. 
ولهذا فالواجب على الزوج المسلم منع زوجته من الظهور بمظهر الفاجرات وعليه أن يُلزمها  بالجلباب ، ولو كانت كتابية ؛ لأن معرة سفورها وتبرجها راجع عليه .
ويلزم الزوجة طاعة الزوج في الأمور المباحة فكيف بالأمور الواجبة التي فيها درىء للمفاسد وجلب للمصالح .
 
فائدة :
الحجاب واجب على المرأة النصرانية ، كما في “الدسقولية أو تعاليم الرسل ” الذي يعتبر الكتاب الثاني للتشريع عند النصارى الأرثوذكس .فقد جاء فيه ص 27
 :
” لا تتشبهن بهؤلاء النساء أيتها المسيحيات إذا أردتن أن تكن مؤمنات. اهتمي بزوجك لترضيه وحده. وإذا مشيت في الطريق فغطي رأسك بردائك فإنك إذا تغطيت بعفة تُصانين عن نظر الأشرار .
ولا تزوقي وجهك الذي خلقه الله. فليس فيه شيء ينقص زينة, لأن كل ما خلقه الله فهو حسن جداً. ولا يحتاج إلى زينة. وما زيد على الحسن فهو يُغير نعمة الخالق.
يكون مشيك ووجهك ينظر إلى أسفل وأنت مطرقة مغطاة من كل ناحية
. ” انتهى
ثانيا :  لا فرق بين الحرة والأمة في شأن الحجاب ؛ بل هن سواء فيه ، ولم يثبت في التفريق بينهما دليل صحيح صريح .
 
قال الامام الألباني رحمه الله :
” وقد أبان الله تعالى عن حكمة الأمر بإدناء الجلباب بقوله: ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) [الأحزاب: 59] ؛ يعني : أن المرأة إذا التحفت بالجلباب ، عرفت بأنها من العفائف المحصنات الطيبات ، فلا يؤذيهن الفساق بما لا يليق من الكلام ، بخلاف ما لو خرجت متبذلة غير مستترة ؛ فإن هذا مما يُطمع الفساق فيها والتحرش بها ، كما هو مشاهد في كل عصر ومصر ؛ فأمر الله تعالى نساء المؤمنين جميعًا بالحجاب سدًّا للذريعة .
وأما ما أخرجه ابن سعد “8/ 176″: أخبرنا محمد بن عمر عن ابن أبي سبرة عن أبي صخر عن ابن كعب القرظي قال: ” كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له ؟ قال : كنت أحسبها أمة ، فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن “.
فلا يصح بل هو ضعيف جدًّا لأمور:
الأول: أن ابن كعب القرظي – واسمه محمد – تابعي لم يدرك عصر النبوة ، فهو مرسل .
الثاني: أن ابن أبي سبرة وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة ضعيف جدًّا قال الحافظ في “التقريب”: ” رموه بالوضع “.
والثالث: ضعف محمد بن عمر وهو الواقدي ، وهو مشهور بذلك عند المحدثين ، بل هو متهم.
وفي معنى هذه الرواية روايات أخرى أوردها السيوطي في “الدر المنثور” وبعضها عند ابن جرير وغيره وكلها مرسلة لا تصح ؛ لأن منتهاها إلى أبي مالك وأبي صالح والكلبي ومعاوية بن قرة والحسن البصري ، ولم يأت شيء منها مسندًا ، فلا يحتج بها ،
ولا سيما أن ظاهرها مما لا تقبله الشريعة المطهرة ولا العقول النيرة ؛ لأنها توهم أن الله تعالى أقر إماء المسلمين – وفيهن مسلمات قطعًا- على حالهن من ترك التستر ، ولم يأمرهن بالجلباب ليدفعن به إيذاء المنافقين لهن.
ومن العجائب أن يغتر بعض المفسرين بهذه الروايات الضعيفة فيذهبوا بسببها إلى تقييد قوله تعالى: ( وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ) [الأحزاب: 59] بالحرائر دون الإماء ، وبنوا على ذلك أنه لا يجب على الأمة ما يجب على الحرة ، من ستر الرأس والشعر ، بل بالغ بعض المذاهب فذكر أن عورتها مثل عورة الرجل: من السرة إلى الركبة ، وقالوا:
“فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثديها”.
وهذا -مع أنه لا دليل عليه من كتاب أو سنة- : مخالف لعموم قوله تعالى: ( وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِين ) [الأحزاب: 59] ؛ ” اه
والصحيح أن قوله : { وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ } : يشمل الحرائر والإماء ، والفتنة بالإماء أكثر ؛ لكثرة تصرفهن ، بخلاف الحرائر؛ فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح“. اه

وقال أيضا الالباني رحمه الله : “وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى: ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) ؛ إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك ؛ لأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق، فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يتعرضوهن .
ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد ، الذي هو إما زلة عالم ، أو وهلة فاضل عاقل ، أو افتراء كاذب فاسق؛ لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين ، وهذه مصيبة الأبد، وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريمه بالأمة ، وأن الحد على الزاني بالحرة ، كالحد على الزاني بالأمة ، ولا فرق . وأن تعرض الحرة في التحريم ، كتعرض الأمة ولا فرق ، ولهذا وشبهه : وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأن يسنده إليه عليه السلام ..” انتهى من “كتاب المرأة المسلمة” (90-94) . 
 
وما أحسن ما قال ابن حزم في “المحلى” “3/ 218 – 219”:
وأما الفرق بين الحرة والأمة : فدين الله واحد ، والخلقة والطبيعة واحدة ؛ كل ذلك في الحرائر والإماء سواء ، حتى يأتي نص في الفرق بينهم في شيء ، فيوقف عنده“.
 
والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين .

Visits: 481