هل يُخصم الدين من المال الذي عليه زكاة ام لا

Home / الفقه / هل يُخصم الدين من المال الذي عليه زكاة ام لا
هل يُخصم الدين من المال الذي عليه زكاة ام لا
اختلف الفقهاء في الدَّيْن هل يمنع الزكاة ؟ على قولين مشهورين:
أحدهما : أنه لا يمنع الزكاة ، فمن ملك نصابا وحال عليه الحول وجب عليه أن يزكيه ، مهما كان دَيْنُه ، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله ، وحماد وربيعة والظاهرية وأحمد في رواية، وهو الذي يرجحه كثير من أهل العلم .
وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً ، ولأن النبي صلى الله عليه ومسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة ، ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا ؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال ، والدين يتعلق بالذمة ، فلا يمنع أحدهما الآخر .
 
الثاني: أنَّ الدين يمنع الزكاة . وهذا قول الجمهور واستدلوا  بما جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يقول : ( هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دَيْن فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم ) ، وفي رواية : ( فمن كان عليه دين فليقض دينه ، وليزك بقية ماله ) .
وهذا لا حجة فيه ، فمن أدى الدَّيْن ، فليس عليه فيه زكاة ، والنزاع هو فيمن لم يؤد الدين ، واحتفظ بالمال لينتفع به ، فهل تسقط عنه الزكاة ؟
وينبغي أن يعلم أن الجمهور الذين يقولون بأن الدين يخصم من المال الزكوي يشترطون ألا يكون لدى الإنسان مال آخر يسدد به دينه زائد عن حاجته الأساسية .
قال العلامة العثيمين: [وأما أثر عثمان رضي الله عنه فإننا نسلم أنه إذا كان على الإنسان دينٌ حال، وقام بالواجب وهو أداؤُه فليس عليه زكاة؛ لأنه سيؤدي من ماله، وسَبْقُ الدين يقتضي أن يقدم في الوفاء على الزكاة؛ لأن الزكاة لا تجب إلا إذا تمًّ الحول، والدَّين سابق، فكان لسبقه أحق بالتقديم من الزكاة.
ونحن نقول لمن اتقى الله، وأوفى ما عليه: لا زكاة عليك إلا فيما بقي، أما إذا لم يوف ما عليه، وماطل لينتفع بالمال، فإنه لا يدخل فيما جاء عن عثمان، فعليه زكاته] الشرح الممتع 6/18.
وقال أيضا بن عثيمين رحمه الله : [والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقاً، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده] الشرح الممتع6/39.
قال العلامة  عبد العزيز بن باز:  [يجب على من لديه مال زكوي أن يؤدي زكاته إذا حال عليه الحول، ولو كان عليه دينٌ في أصح قولي العلماء؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من لديه مالٌ تجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول ولو كان عليه دينٌ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر عماله بأخذ الزكاة ممن عليه زكاة، ولم يأمرهم أن يسألوهم هل عليهم دينٌ أم لا؟ ولو كان الدَّين يمنع، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عماله أن يستفسروا من أهل الزكاة هل عليهم دين] مجموع فتاوى الشيخ ابن باز14/51-52.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة9/189: [الصحيح من أقوال العلماء أن الدَّين لا يمنع من الزكاة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يرسل عماله وخرَّاصه لخرص الثمار، ولم يقل لهم انظروا هل أهلها مدينون أم لا؟]
قال العلامة ابن حزم رحمه الله: [إسقاط الدَّين زكاة ما بيد المدين لم يأت به قرآنٌ ولا سنةٌ صحيحةٌ ولا سقيمةٌ ولا إجماعٌ، بل جاءت السنن الصحاح بإيجاب الزكاة في المواشي والحب والتمر والذهب والفضة، بغير تخصيص مَنْ عليه دين ممن لا دين عليه] المحلي6/135.

وقال العلامة النووي: [الدَّين هل يمنع وجوب الزكاة؟ فيه ثلاثة أقوال أصحها عند الأصحاب , وهو نص الشافعي رضي الله عنه في معظم كتبه الجديدة : تجب … فالحاصل أن المذهب وجوب الزكاة سواء كان المال باطنا أو ظاهرا أم من جنس الدين أم غيره , قال أصحابنا : سواء دين الآدمي ودين الله عز وجل , كالزكاة السابقة , والكفارة والنذر وغيرها ] المجموع (5/317)

فالراجح أن الدين لا يُخصم من المال الذي عليه زكاة وإنما الذي يطرح من الزكاة هو الدَّين الحال الخاضع للمطالبة حالاً حين وجوب الزكاة بحولان الحول.
 
وسئل الشيخ العلامة العثيمين : عن شخص عنده رأس مال قدره مائتا ألف ريال وعليه دين قدره مائتا ألف ريال بحيث يدفع منه كل سنة عشرة آلاف، فهل عليه زكاة؟
فأجاب: نعم، تجب الزكاة في المال الذي في يده، وذلك لأن النصوص الواردة في وجوب الزكاة عامةٌ، ولم تستثنِ شيئاً، لم تستثنِ مَنْ عليه دينٌ. وإذا كانت النصوصُ عامةً وجب أن نأخذ بها، ثم إن الزكاة واجبة في المال، لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال: («أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم»فبين الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن الزكاة في المال، وليست في ذمة الإنسان، والدَّين واجبٌ في ذمته، فالجهة منفكة، فتجب زكاة المال الذي بيدك، والدَّين واجبٌ في ذمتك، فهذا له وجهة، وهذا له وجهة.
فعلى المرء أن يتقي ربه ويخرج الزكاة عمَّا في يده، ويستعين الله تعالى في قضاء الدَّين الذي عليه، ويقول: اللهم اقضِ عني الدَّين وأغنني من الفقر. وربما يكون أداء زكاة المال الذي بيده سبباً في بركة هذا المال ونمائه، وتخليص ذمته من الدَّين، وربما يكون منع الزكاة منه سبباً في فقره، وكونه يرى نفسه دائماً في حاجة وليس من أهل الزكاة، واحمد الله عز وجل أن جعلك من المعطين ولست من الآخذين] مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين18/39.

Visits: 126