أسلوب تغيِّر الإعراب، إذا طال الكلام للمدح والذم أو التنبيه والاختصاص

Home / التفسير / أسلوب تغيِّر الإعراب، إذا طال الكلام للمدح والذم أو التنبيه والاختصاص
أسلوب تغيِّر الإعراب، إذا طال الكلام للمدح والذم أو التنبيه والاختصاص
بسم الله الرحمن الرحيم
من شأن العرب –إذا تباعدت صفة الواحد– الاعتراض بالمدح والذم أو بالتنبيه والاختصاص، نصبًا أحيانًا، أو رفعًا أحيانًا أُخر. 
قال الخليل بن أحمدوالعرب تنصب الكلام على المدح والذم، كأنهم يريدون إفراد الممدوح والمذموم، فلا يتبعونه أول الكلام.
وقال أبو عبيدة – معمر بن المثنى التيمي: النصب على تطاول الكلام وتباعده، ومن شأن العرب أن تغيِّر الإعراب، إذا طال الكلام وبَعُدَ النسق.  
قال أهل اللغةوهذا أسلوب واسع ومعهود في كلام العرب، لا مطعن فيه من جهة الإعراب.  
فمن أمثلة المدح نصبًا في كلام العرب  
 وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم   إلا نميرًا أطاعت أمر غاويها
  الظاعنين ولما يظعنوا أحدًا           والقائلون لمن دار
  
فنَصَبَ (الظاعنين) على المدح، وحقه الرفع، بدليل قوله بعد: (والقائلون). 
ومن النصب على المدح أيضًا، قوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} (النساء:162) مع أنه معطوف على مرفوع، وهو قوله تعالى: {لكن الراسخون في العلم} (النساء:162).  
قال تعالى :{لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } النساء162
ومن النصب على الذم، قوله تعالى: {ملعونين أينما ثقفوا} (الأحزاب:61) فنصب على الذم.  
قال تعالى  :” لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ” .
وفي قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون} (المائدة:69) رفع {والصابئون} مع أنه معطوف على اسم {إنَّ} المنصوب، وحقه أن يقول: (والصابئينلكن عدل عن ذلك، جريًا على عادة كلام العرب وسَنَنِهم في التنبيه والتخصيص، والتوكيد…
فرفعت ” والصابئون ” لأن الواو هنا استئنافية كأن الكلام استأنف من جديد تنبيها وتوكيدا على هذه الطائفة لأنها ليست يهودية ولا نصرانية ، ففُصِلَت عما قبلها من أجل التنبيه على أن هذه الطائفة متى ما آمنت بالله وباليوم الآخر فإن ثواب الله يشملها  
وأيضا قوله تعالى ” والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء ” 
 –قال سيبويه في باب (ما ينتصب على التعظيم والمدح)وإن شئت جعلته صفة، فجرى على الأول، وإن شئت قطعته فابتدأته؛ قال: ولو رُفع {والصابرين} على أول الكلام كان جيدًا، ولو ابتدأته فنصبته على الابتداء كان جيداًَ.
وهناك من القرَّاء من قرأ {والصابرون} بالرفع، عطفًا على {والموفون بعهدهم} وهذه قراءة يعقوب، وهي قراءة متواترة؛ وعلى هذه القراءة فلا مطعن لطاعن في الآية.  
ثم إنَّ العرب تنصب على المدح وعلى الذم، كأنهم يريدون بذلك إفراد الممدوح والمذموم، ولا يتبعونه أول الكلام؛ وعليه فإنما نصب {الصابرينعلى الاختصاص؛ مدحًا لحالهم، وحثًا على سلوك طريقهم، لشدته وصعوبته.
 قالوا: والنصب – على هذا – بفعل محذوف، تقديره: وأمدحُ الصابرين، أو أخصُّ الصابرين، ونحو ذلك مما يقتضيه السباق والسياق، وباب (النصب على الاختصاص) باب واسع في كلام العرب.  
والله أعلم والحمد لله رب العلمين .

Visits: 1113