بسم الله الرحمن الرحيم
من المقرر شرعاً أن كل من أتلف مالاً لمسلمٍ فهو ضامن، ولا اعتبار لكون الإتلاف حصل خطأً أو عمداً، وهذا أمرٌ متفقٌ عليه بين جماهير الفقهاء.
قال الإمام الشافعي: ” ولم أعلم بين المسلمين اختلافاً أن ما كان ممنوعاً أن يُتلف من نفسِ إنسانٍ أو طائرٍ أو دابةٍ أو غير ذلك مما يجوز ملكه، فأصابه إنسانٌ عمداً فكان على من أصابه فيه ثمنٌ يؤدى لصاحبه، وكذلك فيما أصاب من ذلك خطأً لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد ” (الأم 2/200).
وقال الحافظ ابن عبد البر: ” الأمر المجتمع عليه عندنا في ذلك أن الأموال تُضمن بالعمد والخطأ “ (الاستذكار7/279).
وقال الامام ابن قدامة : ” ما ضُمن في العمد ضُمن في الخطأ “(المغني 9/211).
وقال العلامة ابن حزم : ” أموالُ الناس تُضمن بالعمد والنسيان ” (المحلى 6/91).
وقال الامام ابن القيم: ” فالخطأ والعمد اشتركا في الإتلاف الذي هو علةٌ للضمان وإن افترقا في علة الإثم، وربط الضمان بالإتلاف من باب ربط الأحكام بأسبابها وهو مقتضى العدل الذي لا تتم المصلحة إلا به، كما أوجب على القاتل خطأً دية القتيل ولذلك لا يعتمد التكليف، فيضمن الصبي والمجنون والنائم ما أتلفوه من الأموال، وهذا من الشرائع العامة التي لا تتم مصالح الأمة إلا بها، فلو لم يضمنوا جنايات أيديهم لأتلف بعضهم أموال بعض وادَّعى الخطأ وعدم القصد ” (إعلام الموقعين2/171).
تنبيه مهم :
يصلح الخطأُ عذراً في سقوط حقوق الله تعالى بخلاف حقوق العباد فلا تسقط بالخطأ، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: “انَّ الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” .
فالمقصود في الحديث رفع الإثم وأما الضمان فغير مرفوع.
لان ضمان المتلفات من باب الحكم الوضعي وليس من باب الحكم التكليفي، لذا يتعلق الضمانُ بأفعال غير المكلفين كالصبي والمجنون والنائم والناسي، فالحكم الوضعي ربطَ فيه الشارعُ الحكيم بين أمرين إما على سبيل السبب أو الشرط أو المانع.
قال الحطاب المالكي: وقال في المسائل الملقوطة: ” العمد والخطأ والإكراه في أموال الناس سواء يجب ضمانها، وهو من خطاب الوضع ولا يشترط فيه التكليف والعلم، فلا فرق في الإتلاف بين الصغير والكبير والجاهل والعامد “. (مواهب الجليل 14/317).
والحمد لله رب العالمين .
Hits: 312