يقول اللإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه – ” مفتاح دار السعادة “ :
“ والشبهة وَارِد يرد على الْقلب يحول بَينه وَبَين انكشاف الْحق لَهُ
فَمَتَى بَاشر الْقلب حَقِيقَة الْعلم لم تُؤثر تِلْكَ الشُّبْهَة فِيهِ
بل يقوى علمه ويقينه بردهَا وَمَعْرِفَة بُطْلَانهَا
وَمَتى لم يُبَاشر حَقِيقَة الْعلم بِالْحَقِّ قلبه قدحت فِيهِ الشَّك بِأول وهلة
فان تداركها والا تَتَابَعَت على قلبه امثالها حَتَّى يصير شاكا مُرْتَابا وَالْقلب .
وَإِنَّما سميت الشُّبْهَة شُبْهَة لاشتباه الْحق بِالْبَاطِلِ فِيهَا فانها تلبس ثوب الْحق على جسم الْبَاطِل
وَأكْثر النَّاس اصحاب حسن ظَاهر فَينْظر النَّاظر فِيمَا البسته من اللبَاس فيعتقد صِحَّتهَا
واما صَاحب الْعلم وَالْيَقِين فانه لَا يغتر بذلك بل يُجَاوز نظره الى بَاطِنهَا وما تحت لباسها فينكشف لَهُ حَقِيقَتهَا
وَمِثَال هَذَا الدِّرْهَم الزائف فَإِنَّهُ يغتر بِهِ الْجَاهِل بِالنَّقْدِ نظرا الى مَا عَلَيْهِ من لِبَاس الْفضة
والناقد الْبَصِير يُجَاوز نظره الى مَا وَرَاء ذَلِك فَيطلع على زيفه
فاللفظ الْحسن الفصيح هُوَ للشُّبْهَة بِمَنْزِلَة اللبَاس من الْفضة على الدِّرْهَم الزائف وَالْمعْنَى كالنحاس الَّذِي تَحْتَهُ
وَكم قد قتل هَذَا الِاعْتِذَار من خلق لَا يحصيهم الا الله
وَإِذا تَأمل الْعَاقِل الفطن هَذَا الْقدر وتدبره رأى اكثر النَّاس يقبل الْمَذْهَب والمقالة بِلَفْظ ويردها بِعَينهَا بِلَفْظ آخر
وَقد رايت انا من هَذَا فِي كتب النَّاس مَا شَاءَ الله وَكم رد من الْحق بتشنيعه بلباس من اللَّفْظ قَبِيح
وَفِي مثل هَذَا قَالَ ائمة السّنة مِنْهُم الامام احْمَد وَغَيره : ” لَا نزيل عَن الله صفة من صِفَاته لاجل شناعة شنعت ”
فَهَؤُلَاءِ الْجَهْمِية يسمون إِثْبَات صِفَات الْكَمَال لله من حَيَاته وَعلمه وَكَلَامه وسَمعه وبصره وَسَائِر مَا وصف بِهِ نَفسه تَشْبِيها وتجسيما وَمن اثْبتْ ذَلِك مشبها
فَلَا ينفر من هَذَا الْمَعْنى الْحق لاجل هَذِه التَّسْمِيَة الْبَاطِلَة الا الْعُقُول الصَّغِيرَة القاصرة خفافيش البصائر
وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ من الالفاظ ومقالة مخالفيهم أقبح مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ من الالفاظ وَمن رزقه الله بَصِيرَة فَهُوَ يكْشف بِهِ حَقِيقَة مَا تَحت تِلْكَ الالفاظ من الْحق وَالْبَاطِل وَلَا يغتر بِاللَّفْظِ ….”
Hits: 46