قال الحافظ ابن رجب في كتابه – فتح الباري – : هَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ” الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ ” .
وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ : ” تَرَكْتُ الذُّنُوبَ حَيَاءً أَرْبَعِينَ سَنَةً ، ثُمَّ أَدْرَكَنِي الْوَرَعُ ” .
وَقَالَ ابْنُ سَمْعُونَ : ” رَأَيْتُ الْمَعَاصِيَ نَذَالَةً ، فَتَرَكْتُهَا مُرُوءَةً ، فَاسْتَحَالَتْ دِيَانَةً ” .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مُكْتَسَبًا ; إِمَّا مِنْ مَقَامِ الْإِيمَانِ كَحَيَاءِ الْعَبْدِ مِنْ مَقَامِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ الِاسْتِعْدَادُ لِلِقَائِهِ . أَوْ مِنْ مَقَامِ الْإِحْسَانِ ، كَحَيَاءِ الْعَبْدِ مِنِ اطِّلَاعِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقُرْبِهِ مِنْهُ ، فَهَذَا مِنْ أَعْلَى خِصَالِ الْإِيمَانِ .
وَفِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ ” اسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ كَمَا تَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ صَالِحِي عَشِيرَتَكَ لَا يُفَارِقَانِكَ ” . وَرُوِيَ مَوْصُولًا .
وَسُئِلَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ خَالِيًا ، فَقَالَ : ” اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ ” .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَرْفُوعِ “ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَأَنْ تَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى . وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ” . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَ
وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ فِي ” تَفْسِيرِهِ ” عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ” أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ” إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يُجَامِعُونَ نِسَاءَهُمْ ، وَيَتَخَلَّوْنَ فَيَسْتَحْيُونَ مِنَ اللَّهِ ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ .
وَكَانَ الصِّدِّيقُ يَقُولُ : ” اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ ; فَإِنِّي أَذْهَبُ إِلَى الْغَائِطِ فَأَظَلُّ مُتَقَنِّعًا بِثَوْبِي حَيَاءً مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ” .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : ” خَفِ اللَّهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْكَ ، وَاسْتَحْيِ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ ” .
وَقَدْ يَتَوَلَّدُ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ مِنْ مُطَالَعَةِ النِّعَمِ ، فَيَسْتَحْيِي الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِنِعْمَتِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ أَعْلَى خِصَالِ الإيمان . ” انتهى كلامه رحمه الله
Visits: 1111