بسم الله الرحمن الرحيم
إن أهل السنة والجماعة، أهلَ الحديث والأثر ـ في كل زمان ومكان ـ هم أعرف الناس بالحق، وأرحمهم بالخلق.
وهم حقاً كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية: (نقاوة المسلمين، فهم خير الناس للناس)منهاج السنة(5/158).
ومظاهر رحمتهم بعباد الله متعددة متنوعة، فهم الدعاة إلى سبيل الله، وصراطه المستقيم، الحريصون على إخراج الناس من ظلمات الشرك والخرافة، إلى نور التوحيد حقِّ الله على العبيد، من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهم القائمون ببيان السنة، والتحذير من البدعة، بحض الناس على الطاعة وترك المعصية، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بعلم وحلم وحكمة ورحمة :﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾.
وبالجملة فهم أحرص الناس على نشر العلم الذي ينفع صاحبه ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ ومع كونه بهذه الأهمية، إلا أن الداعين إليه (الى السنة) هم الأقلون عدداً، وهم غرباء بين المشتغلين بالدعوة قديماً وحديثاً، فكم أشغل كثير من المنتسبين إلى الدعوة المدعوين بما لا ينفعهم، بل قد يضرهم، من المنطق والفلسفة الكلامية، والقصص والحكايات الواقع منها والخيالية، وفقه الواقع والتحليلات السياسية، والأناشيد والمسرحيات الدينية!! إلى المطالبة بالحقوق المزعومة تحت شعار الحرية والديمقراطية والدستورية…
وحمى الله أتباع منهج السلف من الوقوع في تلك المستنقعات النتنة الموبوءة، فساروا في دعوتهم على هدي النبي صلى الله عليه وسلم،وأصحابه، والتابعين.
وصبروا على غربتهم راجين ثواب ربهم، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: “بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء “.
قال الفضيل بن عياض: (عليك بطريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين،وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين).المجموع للنووي(8/203)
وقال سفيان بن عيينة: ( اسلكوا سبيل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهله). أخرجه ابن عبدالبر في التمهيد(17/429).
قال يونس بن عبيد قال: «أصبح من إذا عُرِّف السنة عرفها غريباً, وأغرب منه من يعرفها». أخرجه اللالكائي
وفي لفظ: «إن الذي تعرض عليه السنة لغريب, وأغرب منه من يعرفها».
وقال أيوب السختياني: «إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة وكأني أفقد بعض أعضائي» اللالكائي(29).
وما أحسن قولَ الإمام الحافظ أبي نصر السِّجْزِي في رسالته إلى أهل زبيد«ص 340»: «فالمتبع للأثر يجب تقدمه وإكرامه، وإن كان صغير السن غير نسيب، والمخالف له يلزم اجتنابه وإن كان مسناً شريفاً».
وقولَ الإمام أبي عثمان الصابوني: (ولا يغرن إخواني حفظهم الله كثرة أهل البدع، ووفور عددهم فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل، والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة، ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل بها واستقام عليها، ودعا بالسنة إليها كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جرى على هذه الجملة في أوائل الإسلام والملة). عقيدة السلف وأصحاب الحديث(ص 316).
ومن مظاهر رحمة أهل السنة بالخلق أمر يحسبه من قصر نظره وقل علمه جناية وظلماً وغلظة، وهو عنده عن الرحمة بمعزل، لكنه عند أهل العلم والفقه والفهم والبصيرة من أبرز مظاهر الرحمة بعباد الله، ذلك الأمر هو جهاد أهل العلم من أهل السنة ببيان خطأ المخطئين، وردهم على أقوال المخالفين المنحرفين، وهذه العبادة – أعني الرد على المخالف– من أعظم ما يتقرب به المؤمن المخلص الصادق لربه تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (28 /231-232):
(ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين،حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء) ا.هـ
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله، وبما كان عليه هو وأصحابه، رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس ديناً والله المستعان، وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك, وحدوده تضاع, ودينه يترك, وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها, وهو بارد القلب ساكت اللسان؟ شيطان أخرس, كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق, وهل بلية الدين إلا من هؤلاء، الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟)
وفي مسند الدارمي(317)عن مجاهد قال: «ما أدري أي النعمتين علي أعظم: أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء».
وقال الفضيل بن عياض: «طوبى لمن مات على الإسلام والسنة».اللالكائي(268).
Visits: 210