الاستدلال الخاطىء بحديث الجاريتين على حِلِّ الغناء

Home / الحديث / الاستدلال الخاطىء بحديث الجاريتين على حِلِّ الغناء
الاستدلال الخاطىء بحديث الجاريتين على حِلِّ الغناء
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ استماع المعازف محـرم في شريعتـنا، دلّ على تحريمه نصوص الشرع، واتفقت على تحريمه المذاهب الأربعـة، وعامة فقهاء الإسلام، ولم يبحه إلاّ من شَذَّ بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير.
أما ما أخرجه الامامين البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار، تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث. قالت: وليستا بمغنيتين. فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا بكر؛ إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا.
فنلاحظ في الحديث أمرين:

الأول: قول عائشة: جاريتان من جواري الأنصار.. فهما لم يبلغا بعد.

الثاني: قولها: وليستا بمغنيتين، فقد نفت عنهما الغناء المعروف عند الناس، وإن كانت قد وصفتها أولاً بقولها: تغنيان، فإن الغناء يطلق على رفع الصوت، وعلى الترنم الذي يسمه العرب: الحداء، ولا يسمى فاعله مغنيا، فهما إذا جاريتان صغيرتان تنشدانها كلاماً فيه الحث على الشجاعة والقتال، إذ يوم بعاث يوم وقعة مشهورة بين الأوس والخزرج، ومثل هذا لم يقل العلماء بتحريمه، ولكن أين هذا من غناء المرأة البالغة لرجال أجانب؟!!.
قال الامام ابن القيم – رحمه الله -: (وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب، مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية، بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة في يوم عيد وفرح، بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة، والحروب، ومكارم الأخلاق، والشيم، فأين هذا من هذا.
والعجيب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم، فإنّ الصديق الأكبر – رضي الله عنه – سمّى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان، وأقـرّه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على هذه التسمية.
ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين، ولا مفسدة في إنشادهما، ولاستماعهما،
أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى؟! فسبحان الله كيف ضلّت العقول والإفهام ) اه . مدارج السالكين 1/493.
ومن الغلط المشهور الذي يتكرر على ألسنة من يبيح المعازف بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، نسبة إباحة المعازف عن بعض الصحابة، فهو غلط عليهم، فلم ينقل عن أحد منهم انه أباحه، وقد طولب الذين نسبوا هذا القول إلى بعض الصحابة أن يثبتوا هذه النسبة بالإسناد الصحيح، فعجزوا عن ذلك عجزا تاما، وكذلك نسبته إلى علماء المدينة في العصور الأولى، بل هو كذب عليهم، والصحيح ما رواه الخلال عن الإمام مالك: أنه لما سئل عنه، قال: إنما يفعله عندنا الفساق.
وأما من زعم أن المعازف إنما هي أصوات حسنة، والله – تعالى – لم يحرم على هذه الأمة الطيبات، إنما حرم عليها الخبائث، فالجواب أنّ الحكم الشرعي إنما يؤخذ من النصوص، لا من استحسان النفوس، وبنصوص الوحي، يُعرف أنَّ ما أباحه الله لنا هو من الطيبات، وما حرمه الله علينا فهو من الخبائث، وأيضا فقد بيّن العلماء من الصحابة – رضي الله عنهم -، ومن بعدهم من أئمة الدين، أنَّ المعازف من الخبائث لانَّ لها تأثيرا سيئا على قلب المؤمن، فهي تنبت فيه النفاق كما قال ابن مسعود – رضي الله عنه -.
وما مثل قول هذا الزاعم الذي يجعل ما تهواه نفسه، دليلا يحرم ويحلل ويشرع في دين الله، إلاّ كمثل قول بعض الصوفية: إنّ الله خلق الجمال وهو يحبه، وجمال المرأة أمر حسن طيب، فكيف يحرم الله – تعالى -علينا النظر إلى الطيبات؟!
وزعموا أنَّ النظر إلى جمال المرأة، أمر مباح ما لـم يؤد إلى الوقوع في الفاحشة!.
وزعم بعضهم أن النظر إلى جمال النسوان والمردان، من باب التفكر في جمال الخلق، وإبداع الخالق فهو مستحب، فجنَوْا على الشريعة بأهوائهم، وأضلوا الخلق بآرائهم، وصدق الله – تعالى – القائل: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
ويستثنى من الات اللهو الدف – بغير خلخال – في الأعياد والنكاح للنساء فقط ، وقد دلت عليه الأدلة الصحيحة ،
 قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح ، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد على عهده يضرب بدف ولا يصفق بكف ، ولما كان الغناء والضرب بالدف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا ، ويسمون الرجال المغنين مخانيث – ما أكثرهم في هذا الزمان – وهذا مشهور في كلامهم ) اه.
والحمد لله رب العالمين
 

Visits: 598