التنزيل والإنزال حقيقةً مجيء الشيء أو الإتيان به من علو إلى أسفل لغةً وشرعًا

Home / التفسير / التنزيل والإنزال حقيقةً مجيء الشيء أو الإتيان به من علو إلى أسفل لغةً وشرعًا
التنزيل والإنزال حقيقةً مجيء الشيء أو الإتيان به من علو إلى أسفل لغةً وشرعًا

قَالَ تَعَالَى: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) 

وقال تعالى : ” وأنزلنا الحديد ” 

وقال تعالى : ” وأنزلنا عليكم لباسا ”  

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :  لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ لَفْظُ نُزُولٍ ، إلَّا وَفِيهِ مَعْنَى النُّزُولِ الْمَعْرُوفِ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ، وَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ نُزُولًا إلَّا بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَوْ أُرِيدُ غَيْرُ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ خِطَابًا بِغَيْرِ لُغَتِهَا، ثُمَّ هُوَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ ، الْمَعْرُوفِ لَهُ مَعْنًى ، فِي مَعْنًى آخَرَ ، بِلَا بَيَانٍ ؛ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (12/ 257)

وقال أيضا- رفع الله درجته في المهديين – :” أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ الْأَكْبَرُ بِذِكْرِ الْحَدِيدِ : هُوَ اتِّخَاذُ آلَاتِ الْجِهَادِ مِنْهُ كَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ وَالنَّصْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، الَّذِي بِهِ يُنْصَرُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذِهِ لَمْ تَنْزِلْ مِنْ السَّمَاءِ…..
وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ نُزُولَ الْحَدِيدِ بِمَعْنَى الْخَلْقِ ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَعَادِنِ ، وَعَلَّمَهُمْ صَنْعَتَهُ ، فَإِنَّ الْحَدِيدَ إنَّمَا يُخْلَقُ فِي الْمَعَادِنِ ، وَالْمَعَادِنُ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْجِبَالِ ، فَالْحَدِيدُ يُنَزِّلُهُ اللَّهُ مِنْ مَعَادِنِهِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بَنُو آدَمَ .
وَقَالَ تَعَالَى: (
وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) ، وَهَذَا مِمَّا أَشْكَلَ أَيْضًا. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَعَلَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: خَلَقَ ، لِكَوْنِهَا تُخْلَقُ مِنْ الْمَاءِ ، فَإِنَّ بِهِ يَكُونُ النَّبَاتُ الَّذِي يَنْزَلُ أَصْلُهُ مِنْ السَّمَاءِ ، وَهُوَ الْمَاءُ …

وَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفِ لُغَةً؛ فَإِنَّ الْأَنْعَامَ تَنْزِلُ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهَا ، وَمِنْ أَصْلَابِ آبَائِهَا تَأْتِي بُطُونَ أُمَّهَاتِهَا ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: قَدْ أَنْزَلَ الْمَاءَ ، وَإِذَا أَنْزَلَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ، مَعَ أَنَّ الرَّجُلَ غَالِبُ إنْزَالِهِ وَهُوَ عَلَى جَنْبٍ ، إمَّا وَقْتَ الْجِمَاعِ ، وَإِمَّا بِالِاحْتِلَامِ ، فَكَيْفَ بِالْأَنْعَامِ الَّتِي غَالِبُ إنْزَالِهَا مَعَ قِيَامِهَا عَلَى رِجْلَيْهَا ، وَارْتِفَاعِهَا عَلَى ظُهُورِ الْإِنَاثِ .

وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا : أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ النُّزُولَ فِيمَا خَلَقَ مِنْ السُّفْلَيَاتِ ، فَلَمْ يَقُلْ : أَنَزَلَ النَّبَاتَ ، وَلَا أَنْزَلَ الْمَرْعَى ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ فِيمَا يُخْلَقُ فِي مَحَلٍّ عَالٍ ، وَأَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ ، كَالْحَدِيدِ وَالْأَنْعَامِ” انتهى .

وقال الامام ابن القيم رحمه الله :” لَمْ يَقُلْ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا قَالَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَوْلُهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْحَدِيدَ وَالْأَنْعَامَ لَمْ يُنَزَّلْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، لَا يُخْرِجُ لَفْظَةَ النُّزُولِ عَنْ حَقِيقَتِهَا، إِذْ عَدَمُ النُّزُولِ مِنْ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ ، لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ مُطْلَقًا.
والْحَدِيد إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَعَادِنِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ ، وَهِيَ عَالِيَةٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَعْدِنُهُ أَعْلَى كَانَ حَدِيدُهُ أَجْوَدَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ( وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ) ، فَإِنَّ الْأَنْعَامَ تُخْلَقُ بِالتَّوَالُدِ الْمُسْتَلْزِمِ إِنْزَالَ الذُّكُورِ الْمَاءَ مِنْ أَصْلَابِهَا إِلَى أَرْحَامِ الْإِنَاثِ، وَلِهَذَا يُقَالُ أَنْزَلَ ، وَلَمْ يُنْزِلْ، ثُمَّ إِنَّ الْأَجِنَّةَ تَنْزِلُ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَنْعَامَ تَعْلُو فُحُولُهَا إِنَاثَهَا بِالْوَطْءِ، وَيَنْزِلُ مَاءُ الْفَحْلِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى رَحِمِ الْأُنْثَى وَتُلْقِي وَلَدَهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ ” .

ثم قال رفع الله درجته في المهديين : ” إن الله سبحانه ذكر الإنزال على ثلاث درجات : 

أحدها : إنزال مطلق كقوله : ( وأنزلنا الحديد ) فأطلق الإنزال ولم يذكر مبدأه ، كقوله : ( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) .
الثانية : الإنزال من السماء ، كقوله : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) .
الثالثة : إنزال منه ، كقوله : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ) وقوله : ( تنزيل من حكيم حميد ) وقوله : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ) وقوله : ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق ) وقال : ( والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فأخبر أن القرآن منزل منه ، والمطر منزل من السماء ، والحديد والأنعام منزلان نزولا مطلقا ، وبهذا يظهر تلبيس المعطلة والجهمية والمعتزلة حيث قالوا إن كون القرآن منزلا لا يمنع أن يكون مخلوقا ، كالماء والحديد والأنعام ، حتى علا بعضهم فاحتج على كونه مخلوقا بكونه منزلا ، والإنزال بمعنى الخلق .
الله سبحانه فرق بين النزول منه والنزول من السماء ، فجعل القرآن منزلا منه ، والمطر منزلا من السماء  ”  انتهى من “مختصر الصواعق المرسلة”   

Visits: 290