الشيخ محمد بن عمر بازمول
بسم الله الرحمن الرحيم
1- قول بعضهم: “الإيمان في القلب”.
يذكرونها إذا سمعوا أحداً ينصحهم أو أنكر عليهم أمراً يخالف الشرع.
والإيمان في القلب حق، ولكن ما وجد في القلب لا بُدَّ أن يظهر موجبه في الظاهر على الجوارح، فإيمان القلب يصدقه العمل، وقد جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَك “إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ” أخرجه مسلم. فهذا الحديث فيه أن الله لا ينظر فقط إلى القلوب بل إلى القلوب والأعمال، فكيف يكون الإيمان فقط في القلب؟!
وصح عن الحسن البصري أنه قال “ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل” ونحوه عن سفيان الثوري.
وقد جعل النبـي صلى الله عليه وسلم العمل تصديقاً لما في القلب، في قوله: “إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ” متفق عليه.
2- قول بعضهم: “القرآن العظيم له تفسير في كل زمان بما يناسبه“.
إطلاق هذه الكلمة لا يجوز، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الخلق بكلام الله ومعانيه، وما مات إلا وقد فسر القرآن جميعه، وأخذ عنه هذا التفسير صحابته رضوان الله عليهم، وعنهم التابعون، فمن فسر القرآن بتفسير يخرج عن تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، خرج عن الصراط المستقيم في تفسير القرآن العظيم، وشاق الله ورسوله، )وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً( (النساء:115).
وإذا كان مراد هذا القائل أن القرآن العظيم تظهر لآياته في كل زمان معان يتوسع بها معنى الآية و لا يخرج فيها عن ما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، فإن هذا المعنى للعبارة سائغ، إلا أنه يشترط في قبول هذه المعاني التي يتوسع بها معاني الآيات ما اشترطه أهل العلم في قبول التفسير بالرأي، وهي الشروط التالية:
الأول : أن لا يخالف التفسير بالمأثور مخالفة تضاد.
الثاني : أن يوافق سياق الآية وسباقها ولحاقها.
الثالث : أن لا يخرج عن دلالة اللفظ من جهة اللغة.
الرابع : أن لا يخالف أصول الشريعة.
الخامس : أن لا يكون فيه نصرة لأقوال أهل البدع والضلال.
ومن هذه الشروط تعلم أن التفسير العلمي لبعض الآيات يشترط في قبوله هذه الشروط حتى يقبل، مع ملاحظة أن القرآن العظيم كتاب هداية وإعجاز، وليس كتاب علوم تطبيقية أو طبيعية.
فلا ينبغي أن يجعل المسلم همه أن يجد لكل حقيقة علمية أصلاً في القرآن العظيم ، فإن القرآن العظيم لم ينزل لهذا، ولكن في سياق معانيه وموضوعاته أي إشارة تأتي فيه لأمر من أمور الكون لا تأتي إلا على ما هو حقيقة علمية عند أهلها.
3– قولهم: “تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان”.
يفهم بعض الناس هذه القاعدة التي يطلقها العلماء على إطلاقها، فإذا جاءه نص من آية أو حديث، لم يعمل به بدعوى أنه إنما كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، ففهم القاعدة على أن المراد منها أن الدين ونصوصه تتغير معانيها بحسب الزمان والمكان، فصار بعضهم يدعو إلى ما يسميه بالإسلام العصري .
وهذا باطل من الفهم، غير مراد للعلماء من هذه العبارة، إنما مراد العلماء بقولهم: “تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان”،: أن الفتوى وهي حكم المفتي في واقعة ما يتغير بحسب تغير الواقعة التي ترتب الحكم على حيثياتها، فهو تغير في الحكم لتغير الحيثيات، وهذا يكون في الفتوى التي مرجعها إلى العادات، أو إلى مراعاة المصالح، أو لاجتهاد رآه المجتهد.
4-قولهم: “كل مجتهد مصيب”.
هذه العبارة يطلقها بعض الناس، ويريد بها أن المسألة المختلف فيها، اجتهاد المجتهد فيها صواب، والأخذ بأي القولين سائغ إذ كل واحد منهما هو عين الصواب.
وهذا المعنى باطل، إذ الحق واحد لا يتعدد لما جاء عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ” متفق عليه.
فليس كل مجتهد مصيب، بل منهم من يجتهد فيصيب الحق، ومن من يجتهد فلا يصيب الحق، إذ الحق واحد لا يتعدد.
و لا يخلو من اجتهد فأصاب أو أخطأ من الأجر، لكن من أصاب الحق أكثر أجرا من الآخر.
وقد حمل بعض الناس هذه العبارة على هذا المعنى، فقال: كل مجتهد مصيب من الأجر، وهذا معنى سائغ، ولكن العبارة موهمة فيه أيضاً.
5- “الإيمان في القلب مثل السكر في فنجان الشاي نحتاج إلى تحريكه ليتحلى جميع الفنجان”.
هذه العبارة يوردها بعض من يُسمى بـ (الأحباب -فرقة التبليغ-)، للتدليل على أهمية الخروج معهم، والقيام بمثل ما يقومون به.
والحقيقة إن هذه العبارة باطلة من وجوه، أذكر منها:
1) الإيمان إذا وجد في القلب لا بد أن يظهر أثره وموجبه بالممكن من العمل على جوارح ابن آدم، وهذا التلازم بين الظاهر والباطن دلّ عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “… أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ” متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
فإذا وجد الإيمان في القلب انفعلت الجوارح الظاهرة بمقتضاه ولا بد مع القدرة وعدم المانع، فدعوى وجود إيمان في القلب كالسكر في الفنجان ولا يظهر أثره وموجبه في الظاهر تتنافى مع هذا التقرير.
2) الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، فهو قول اللسان بالشهادة وسائر الأقوال التي تعبدنا بها شرعاً، وقول القلب بالمعرفة والتصديق، وعمل القلب بالمحبة لله ولرسوله والتسليم بالطاعة، والتعظيم لله عز وجل، وسائر عمل القلب من الخوف والرجاء والتوكل والخشية وغيرها، وعمل الجوارح بالطاعات وترك المعاصي، فالإيمان يقتضي العلم بأسماء الله وصفاته والعلم بأمره ونهيه، والعمل بمقتضى ذلك، فإذا وجد الإيمان بهذا المعنى فالقيام بالدعوة لصاحبه من أفضل الأعمال، أمّا من لم يحصل الإيمان على هذا الوصف فعليه أن يشتغل بتحصيل ذلك في نفسه قبل أن يذهب يدعو الناس إلى شيء ليس عنده، فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
ومن زعم أن الإيمان يوجد في القلب دون أن يوجد أثره في الظاهر ودون أن يحصل مقتضاه من العلم بأسماء الله وصفاته والعلم بأمره ونهيه، كيف يسوغ له أن يخرج للدعوة والتعليم؟
3) ثم نقول ما نفع حركة السكر في الفنجان إذا كان السكر قليلاً؟ فمهما حركته فإنه لا يؤثر؛ فلا بد من السعي لتحقيق الإيمان عند أهل السنة والجماعة، ومقتضاه من العلم بأسماء الله وصفاته، والعلم بأمره ونهيه والعمل بذلك.
والحمد لله رب العالمين
Visits: 34