التَكَبُّرعلى الحقِّ – في بَعْضَ صُوَرِهِ – شَرٌ من الشِّرْكِ

Home / العقيدة والمنهج / التَكَبُّرعلى الحقِّ – في بَعْضَ صُوَرِهِ – شَرٌ من الشِّرْكِ
التَكَبُّرعلى الحقِّ – في بَعْضَ صُوَرِهِ – شَرٌ من الشِّرْكِ
بسم الله الرحمن الرحيم 

يقول الامام ابن القيم رحمه الله : “سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ – رَحِمَهُ اللَّهُ – يَقُولُ : التَّكَبُّرُ شَرٌّ مِنَ الشِّرْكِ فَإِنَّ الْمُتَكَبِّرَ يَتَكَبَّرُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُشْرِكَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَغَيْرَهُ. 


قُلْتُ – ابن القيم : وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ النَّارَ دَارَ الْمُتَكَبِّرِينَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّمَرِ وَفِي سُورَةِ غَافِرٍ : ” أدْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ”  
وَفِي سُورَةِ النَّحْلِ : “ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ” . 
وَفِي سُورَةِ تَنْزِيلُ – السجدة : ” أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ  .

وَأَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَ الْكِبْرِ وَالتَّجَبُّرِ هُمُ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ . فَقَالَ تَعَالَى : ” كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ 
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ  ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاس “رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وَقَالَ تَعَالَى : ” إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ”   تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الْكِبْرَ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْكِ .

وَكَمَا أَنَّ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ ، فَكَذَلِكَ مَنْ تَكَبَّرَ عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ أَذَلَّهُ اللَّهُ وَوَضَعَهُ ، وَصَغَّرَهُ وَحَقَّرَهُ 
وَمَنْ تَكَبَّرَ عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ – وَلَوْ جَاءَهُ عَلَى يَدِ صَغِيرٍ ، أَوْ مَنْ يُبْغِضُهُ أَوْ يُعَادِيهِ – فَإِنَّمَا تَكَبُّرُهُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ . وَكَلَامُهُ حَقٌّ . وَدِينُهُ حَقٌّ . وَالْحَقُّ صِفَتُهُ . وَمِنْهُ وَلَهُ . فَإِذَا رَدَّهُ الْعَبْدُ وَتَكَبَّرَ عَنْ قَبُولِهِ : فَإِنَّمَا رَدَّ عَلَى اللَّهِ ، وَتَكَبَّرَ عَلَيْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اه مدارج السالكين  
 
وقال الامام أبو عثمان النيسابوري: ” ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه، ثم هذا مظنة لغيره، فينسلخ القلب عن حقيقة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصير فيه من الكِبْر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه، أو يكاد، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا ” اه 

هذا وقد قسم ابن حجر الهيتمي الكبر إلى ثلاثة أقسام  : 
– الأول : التكبر على الله تعالى، وهو أفحش أنواع الكبركتكبُّر فرعون ونمرود حيث استنكفا أن يكونا عبدين له تعالى وادَّعيا الرُّبوبيَّة، قال تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ “ أَي :  صَاغِرِينَ
– الثاني : التكبرعلى رسوله، بأن يمتنع من الانقياد له تكـبُّرًا، جهلًا وعنادًا، كما حكى الله ذلك عن كفَّار مكَّة وغيرهم من الأمم . 
– الثالث : التكبر على العباد، بأن يستعظم نفسه، ويحتقر غيره، ويزدريه، فيأبى على الانقياد له، أو يترفَّع عليه، ويأنف من مساواته، وهذا، وإن كان دون الأوَّلين إلَّا أنَّه عظيم إثمه أيضًا؛ لأنَّ الكبرياء والعظمة إنَّما يليقان بالملك القادر القوي المتين، دون العبد العاجز الضَّعيف، فتكبُّره فيه منازعة للَّه في صفة لا تليق إلَّا بجلاله، فهو كعبد أخذ تاج ملك وجلس على سريره، فما أعظم استحقاقه للمقت، وأقرب استعجاله للخزي..”  [الزواجر عن اقتراف الكبائر] .

ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: ” الكبر ينافي حقيقة العبوديَّة، كما ثبت في الصَّحيح: عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال ” يقول الله: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذَّبتهفالعظمة والكبرياء من خصائص الرُّبوبيَّة،والكبرياء أعلى من العظمة؛ ولهذا جعلها بمنزلة الرِّداء، كما جعل العظمة بمنزلة الإزار ” اه

والحمد لله رب العالمين .

Visits: 1038