بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم – وفقني الله وإيّاك لما يحبه ويرضاه- أنَّ الله جل عز ما قَبَضَ رَسُولَه صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أكمل لنا الدين الذي به تصلح الدنيا والآخرة وهذا من تمام نعمته علينا فله الحمد عدد خلقة وزِنَة عرشه ومداد كلماته لم يترك شيئا إلا وقد بينه لنا في كتابه أو على لسان نبيّه، فقال سبحانه : ” ما فرطنا في الكتاب من شيء ” ثم تَكَفَّل بحفظه فقال : ” إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون ” ثم قَيَّضَ لهذه الأُمَّة علماء أجلاء يحملون ميراث النبي عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة فيحيون ما أُميت من السنن وما اندثر من معالم الدين ويَرُدّون محدثات الأمور وما أدخل فيه مما ليس منه .
والشريعة جاءت بجلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها ، ولم ينه الشرع عن شيء إلا ومفسدته راجحه او تامة ولم يأمر بشيء إلا ومصلحة راجحة أو تامة .
ومفاسد الديمقراطية أكثر بكثير من منافعها ولهذا حذر منها أهل العلم الراسخين جميعهم ، ونحن -بارك الله فيك – لسنا مضطرين إليها ولا بحاجة لها حتى ندنس عقولنا وأفكارنا بها .
انظر كيف يربون أبناءنا عليها -حتى في المدارس الابتدائية – هنالك ديمقراطية وانتخابات ، هذه الفتنة عظيمة لم تدع بيتا إلا دخلته ، فسدت الزوجات باسم الديمقراطية وحرية المرأة ، وفسدت البيوت بهذه الدعوة المسمومة فلم يعد الوالد قادر على ضبط الامور تمردوا عليه باسم الحرية والديمقراطية .
ثم إنَّ عوام الناس إذا وافق أهواءهم شيء مما نهى الشرعُ عنه نظروا إلى منافعه القليلة وتركوا مفاسده الكبيرة مع أنها أعظم وأظهر لكن صمّوا وعموا ، وردّوا النصوص الصريحة الصحيحة بعقولهم وآرائهم فوقعوا في المحظور لقلة فقههم وضعف يقينهم .
ومن هذا الباب دخلت الديمقراطية والشيوعية والعلمانية وغيرها من النظم الغربية على الأمة الإسلاميّة .
ولقد تبنت الأحزاب الأسلامية والحركات البدعية هذه الأنظمة الدخيلة وجعلتها سبلا لسياسة الناس وإصلاح معاشهم وتطوير بلادهم كما يزعمون .
وهؤلاء ضلّوا من جهتين :
– الأولى : لم يُفَرِّقُوا بين السياسة الشرعية المستقاة من الكتاب والسنة وبين السياسة الوضعية التي هي من فتات أذهان البشر فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فضلوا وأضلوا ، حتى أنهم جعلوا الحكم والقرار للأغلبيّة مع أنه يضادّ قول رب البريّة سبحانه : ” إن الحكم إلا لله ” .
بل إنَّ الشياطين وأعداء الدين يمكرون بالليل والنهار، لا يفترون عن إفساد عقيدة المسلمين وصَدِّهِم عن دينهم الحق القويم ، فلما علموا أن أكثر الناس في الأرض بعيدون عن الدين الحق مصداقا لقوله تعالى : ” وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ” أوحوا إلى أوليائهم بالديمقراطية – ليكون الحكم للأغلبية – حتى يعجز الصالحون عن تحكيم الشرع وإقامة الدين الحق في البيوت والمساجد والمؤسسات والمرافق العامة وغير ذلك لأن الأغلبية تعارض ذلك .
ولقد لمّع الكفار لقومٍ تربوا في أحضانهم من بني جلدتنا وروّجوا لهم في الشاشات والإذاعات فخُدِع الناس وفتنوا بهم لجهلهم ، مع أنهم لو وضعوا في ميزان الشرع لم يَقُمْ لهم وزنٌ ،فصدق صلى الله عليه وسلم -وهذا من دلائل نبوته – حيث قال : ” سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خُدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ , وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ , وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ , وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ” . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ : ” الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَةِ ” .
-الثانية : انشغالهم بالدنيا عن الآخرة فجعلوا نُصب أعينهم من لا تزن بكاملها عند الله جناح بعوضة! ، فكيف ببعض أجزائها ؟! ونسوا الآخرة ، دار القرار ، ومحط أنظار المتقين والأبرار ، التي موضع السوط فيها خير ممن انشغلوا بها وجميع ما فيها .
نحن ما خلقنا لنعمر الأرض فقط ونترفه ونتمتع كالأنعام -هذا حال الذين كفروا – نحن خلقنا لنعبد الله وحده مخلصين له الدين ونعمر من الدنيا ما يعيننا على طاعة الله وحماية شرعه والتمسك به ونشره وتبليغه للناس .
فلا قيمة لإصلاح الدنيا وبناء المرافق والمؤسسات مع فساد الدين والعقيدة وضياع السنة – سفينة النجاة – .
ولا يصلح الدين إلا بسلوك سبيل المؤمنين – السابقين الأولين – وكما قال إمام دار الهجرة – الإمام مالك رحمه الله– ” لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها ” صلح أولها بالكتاب والسنة ولا يصلح آخرها إلا بهما
ومن ظن غير ذلك فتبنى المناهج الغربية كالديمقراطية (حكم الشعب والأغلبية) والانسانية ( تسوية الدين الحق بغيره) والقومية (الجاهلية ) فقد ظنَّ ظن السوء وفسد قلبه.
فلا تغتر -رعاك الله – بتبني الأحزاب الأسلامية للديمقرطية وما يتفرع عنها من انتخابات وثورات ومظاهرات ، وخوضهم معترك السياسة الوضعية فإن هؤلاء أتخذوا الدين سلما من أجل الوصول إلى السلطة ، فقاموا بِلَيِّ أعناق النصوص الشرعية وابتدعوا في الدين وحرّفوا حتى أصبح الأمر عندهم : ” أينما كانت مصلحة الحزب فثم شرع الله ” نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة .
فالسلامة في الدين أخي العزيز لا يعدلها شيء خاصة في هذا الزمان الذي كثرت في الفتن .
فعلينا أن نجعل الآخرة هي الغاية والهدف الذي نصبو إليها فلا يصرفنا عن هذا شيء من أمور الدنيا وزينتها فنعيش لله وبالله ومع الله .
قال صلى الله عليه الصلاة والسلام : “ مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمّه جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمّه جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ ”
ومن ذاق عرف ومن عرف لزم الطريق حتى يأتيه اليقين
ومن ذاق عرف ومن عرف لزم الطريق حتى يأتيه اليقين
هذه وصيّتي لك أخي ، وإني – إن شاء الله – لك ناصحٌ أمين ، والحمد لله رب العالمين .
Hits: 547