الفرق بين الاعتصام بالله والاعتصام بحبل الله وحاجة العبد إليهما

Home / التفسير / الفرق بين الاعتصام بالله والاعتصام بحبل الله وحاجة العبد إليهما
الفرق بين الاعتصام بالله والاعتصام بحبل الله وحاجة العبد إليهما
الفرق بين الاعتصام بالله والاعتصام بحبل الله وحاجة العبد إليهما
 
قال الامام ابن القيم رحمه الله في المدارج : ” وَهُوَ نَوْعَانِ : اعْتِصَامٌ بِاللَّهِ ، وَاعْتِصَامٌ بِحَبْلِ اللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” وقال : “  واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ”  
وَالِاعْتِصَامُ افْتِعَالٌ مِنَ الْعِصْمَةِ ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِمَا يَعْصِمُكَ ، وَيَمْنَعُكَ مِنْ الْمَحْذُورِ وَالْمَخُوفِ ، فَالْعِصْمَةُ : الْحِمْيَةُ ، وَالِاعْتِصَامُ : الِاحْتِمَاءُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقِلَاعُ : الْعَوَاصِمَ ، لِمَنْعِهَا وَحِمَايَتِهَا . 
 
وَمَدَارُ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ ، وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَاتَيْنِ الْعِصْمَتَيْنِ . 
 
فَأَمَّا الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِهِ فَإِنَّهُ يَعْصِمُ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَالِاعْتِصَامُ بِهِ يَعْصِمُ مِنَ الْهَلَكَةِ ، فَإِنَّ السَّائِرَ إِلَى اللَّهِ كَالسَّائِرِ عَلَى طَرِيقٍ نَحْوَ مَقْصِدِهِ ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى هِدَايَةِ الطَّرِيقِ ، وَالسَّلَامَةِ فِيهَا ، فَلَا يَصِلُ إِلَى مَقْصِدِهِ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَهُ ، فَالدَّلِيلُ كَفِيلٌ بِعِصْمَتِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَأَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الطَّرِيقِ ، وَالْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالسِّلَاحِ الَّتِي بِهَا تَحْصُلُ لَهُ السَّلَامَةُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَآفَاتِهَا . 
 
فَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ يُوجِبُ لَهُ الْهِدَايَةَ وَاتِّبَاعَ الدَّلِيلِ ، وَالِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ ، يُوجِبُ لَهُ الْقُوَّةَ وَالْعُدَّةَ وَالسِّلَاحَ ، وَالْمَادَّةَ الَّتِي يَسْتَلْئِمُ بِهَا فِي طَرِيقِهِ ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ ، بَعْدَ إِشَارَتِهِمْ كُلِّهِمْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى .   
ثم قال : ” فَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ يَحْمِي مِنَ الْبِدْعَةِ وَآفَاتِ الْعَمَلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .   
وَأَمَّا الِاعْتِصَامُ بِهِ فَهُوَ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ ، وَالِامْتِنَاعُ بِهِ ، وَالِاحْتِمَاءُ بِهِ ، وَسُؤَالُهُ أَنْ  يَحْمِيَ الْعَبْدَ وَيَمْنَعَهُ ، وَيَعْصِمَهُ وَيَدْفَعَ عَنْهُ ، فَإِنَّ ثَمَرَةَ الِاعْتِصَامِ بِهِ هُوَ الدَّفْعُ عَنِ الْعَبْدِ ، وَاللَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ، فَيَدْفَعُ عَنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إِذَا اعْتَصَمَ بِهِ كُلَّ سَبَبٍ يُفْضِي بِهِ إِلَى الْعَطَبِ ، وَيَحْمِيهِ مِنْهُ ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، وَكَيْدَ عَدُوِّهِ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ ، وَشَرَّ نَفْسِهِ ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ مُوجِبَ أَسْبَابِ الشَّرِّ بَعْدَ انْعِقَادِهَا ، بِحَسَبِ قُوَّةِ الِاعْتِصَامِ بِهِ وَتَمَكُّنِهِ ، فَتُفْقَدُ فِي حَقِّهِ أَسْبَابُ الْعَطَبِ ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ مُوجِبَاتِهَا وَمُسَبِّبَاتِهَا ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ قَدَرَهَ بِقَدَرِهِ ، وَإِرَادَتَهُ بِإِرَادَتِهِ ، وَيُعِيذُهُ بِهِ مِنْهُ .  ” اه

Visits: 2704