بسم الله الرحمن الرحيم
ان طلب الحق والسعي في تحصيله لا يكون الا من أهل الحق والسنة وفي هذا جاءت الآثار المشهورة عن سلف الأمة : “إنَّ هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ” .
ولقد حذر ائمة السنة من أخذ العلم عن أهل البدع وان كان عندهم شيء من الحق قل أو كثر لانه يخشى على الطالب ان يقع في شباكهم لان القلوب ضعيفة والشبهات خطافة ، والسلامة لا يعدلها شيء ، حتى أن أحد ائمة السلف في التفسير وهو الامام مجاهد بن جبر – تلميذ الحبر – قال : ” ما أدري أي النعمتين عليَّ أعظم: أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء ” .
وليُعْلَم ان أهل السنة عندهم من العلوم الشرعية النافعية ما فيه الشفاء والغنية والكفاية ، فيا عبد الله اذا كنت مخاطرا في شيء فلا تخاطر بدينه ولا تمكِّن سمعك ممن يمرض قلبك أو يفسده ، والله الموفق .
وأما بالنسبة لقبول الحق فصاحب الحق الذي جعل هواه منقادا للنصوص والادلة فانه يقبله من كل أحد كائنا من كان ، ولو كان الناطق به شيطان مريد كما جاء في السنة من حديث ابي هريرة لما كان حارسا على تمر الصدقة وقد ظهر له الشيطان مرات متشكلا ، فقال له في المرة الأخيرة : “دعني أعلّمك كلماتٍ ينفعك الله بها ” ، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم} (البقرة:255)حتى تختم الآية؛ فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح”
فقال عليه الصلاة والسلام لابي هريرة لما أخبره بذلك : “أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ ” . قال: لا،
قال: ” ذاك شيطان” رواه البخاري .
فالكذّاب اذا نطق بالحق نقول له صدقت ولكن لا يزول عنه الوصف ولا يركن اليه حتى يتوب من الكذب وينتهي عنه وكذلك المبتدع وصاحب الهوى يقبل منه الحق اذا قاله أو فعله ولكن لا يزول عنه ما اتصف به حتى يتوب من بدعه وانحرافه فلا يركن اليه ولا يطلب العلم عنده لان الغالب هو دس السم في العسل .
بل قال الامام الفضيل بن عياض : ” من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الاسلام ” ، لأن ذلك يؤدي على أن يغتر به عوام المسلمين فيقعوا في أوحاله.
وقد جاءت اثار كثيرة عن السلف رضوان الله عليه تدلل على هذا المعنى وهم أحرص الناس على الخير وأحسن الناس خلقا ، فان التحذير من الشر من شِيَم خير الناس ، أهل الصدق والامانة والاخلاق العالية .
قال الامام العَلَم أبو عثمان الصابوني حاكيا مذهب السلف :
” ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} “. عقيدة السلف ( ص : 114).
وهذا الذي نقل لنا عن خير الناس الذين جعلوا حبهم وبغضهم لله لا لاهواءهم : هو – والله – من حسن الخلق مع الله ورسوله ومع المسلمين وغيرهم ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
قال الإمام البغوي رحمه الله : ((وفيه دليل ( أي حديث كعب بن مالك ) على أن هجران أهل البدع على التأبيد )) .
فلا يأتي ملبس فيقول عمن ترك مجالسة أهل الاهواء ومصاحبتهم هذا مشاحن وهذا مبغض للمسلمين بل هو من صَدِّ إفك المحدثين على المسلمين ومن الرحمة بهم ، ومواقف ائمة السلف في هذا أوضح من الشمس في رابعة النهار .
قال الامام عبد الله ابن عون –رحمه الله- قال: ((لم يكن قوم أبغض إلى محمد – يعني الامام ابن سيرين- من قوم أحدثوا في هذا القدر ما أحدثوا)).
فكيف لو سمع هذا الامام هؤلاء الذين يتغنون بحرية الاعتقاد وحرية الاديان
فعلى طالب الحق ان يكون في جانب السنة وأهلها كما أمرنا ربنا جل وعز : “يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” ، وما أحوجنا الى هؤلاء الصادقين من أهل السنة والاثر في هذا الزمان الذي فشا فيه الكذب والخيانة وقل فيه الصدق والامانة حتى تكلم الرويبضة في أمر العامة كما صح بذلك الخبر والله المستعان.
والحمد لله رب العالمين
Visits: 2292