قال الامام ابن القيم في اعلام الموقعبن: ” ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ: رفع الحكم بجملته تارة ـ وهو اصطلاح المتأخرين ـ ، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد، أو حمل مطلق على مقيد، وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو: بيان المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمر خارجٍ عنه ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يُحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر “.
وقال الامام الشاطبي في الموافقات: ” وذلك أن الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين: فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً” .و
وقال أيضا: ” وإنما وقع الغلط للمتأخرين من قبل عدم المعرفة بمراد المتقدمين، فإنهم كانوا يطلقون على الأحوال المتنقلة النسخ، والمتأخرون يريدون بالنسخ نزول النص ثانياً رافعاً لحكم النص الأول “.
وقال أيضا : ” وهذا مما يوضح ما قلته من أنهم كانوا يُطلقون النسخ على غير ما نطلقه نحن عليه… فلا تغتر بقولهم: منسوخ؛ فإنهم لا يريدون به ما تريد أنت بالنسخ“.
وقال العلامة القرطبي في تفسيره: ” والمتقدمون يطلقون على التخصيص نسخاً توسعاً وتجوزاً “.
قال ابن الجوزي ( ت: 597 هـ ): ” وهذا تخصيص لا نسخ “.ثانياً: إطلاقهم النسخ على تقييد المطلق:
مثاله: ما روي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ) الاسراء أنه ناسخٌ لقوله تعالى: ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ) الشورى .
قال الشاطبي في الموافقات: ” وعلى هذا التحقيق تقييد لمطلق؛ إذ كان قوله: ( نؤته منها ) مطلقاً ومعناه مقيد بالمشيئة، وهو قوله تعالى: ( لمن نريد ) وإلا فهو إخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ”.
ثالثاً: إطلاقهم النسخ على تبيين المبهم:
مثاله: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ( قل الأنفال لله والرسول ) [ الأنفال: 1 ]، أنه منسوخ بقوله تعالى: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) [ الأنفال: 41 ].
وإنما ذلك بيانٌ لمبهم في قوله تعالى: ( لله والرسول ) [ الأنفال: 1 ] (14).
ومثاله: من قال بنسخ جميع الآيات الآمرة بالعفو أو الصفح أو الإعراض عن المشركين والكفار، بالآيات الآمرة بقتالهم أو بأخذ الجزية منهم.
قال قتادة: ” كلُّ شيءٍ في القرآن -” فأعرض عنهم وانتظر “ منسوخٌ، نسخته براءة والقتال“
وقال : “ لأن فعل الجاهلية ليس بحكمٍ فيرفعه آخر، وإنما هو كله باطل فنسخ الله الباطلَ بالحق” .
Visits: 2411