
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: قال النبي ﷺ: «أفضل الدعاء الحمد لله»فسمى «الحمد لله» دعاء، وهو ثناء محض. لأن الحمد يتضمن الحب والثناء.والحب أعلى أنواع الطلب للمحبوب، فالحامد طالب لمحبوبه، فهو أحق أن يسمى داعيا من السائل الطالب من ربه حاجة ما.فتأمل هذا الموضع فإذا تأملته لا تحتاج إلى ما قيل: إن الذكر متعرض للنوال وإن لم يكن مصرحا بالسؤال، فهو داع بما تضمنه ثناؤه من التعرض، كما قال أمية بن أبي الصلت في ممدوحه: أأذكر حاجتي، أم قد كفاني ∗∗∗ حباؤك؟ إن شيمتك الحباء إذا اثنى عليك المرء يوما ∗∗∗ كفاه من تعرضه الثناء وعلى هذه الطريقة التي ذكرناها نفس الحمد ...

قالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿ظَهَرَ الفَسادُ في البَرِّ والبَحْرِ﴾ قالَ: الذُّنُوبُ.قُلْتُ (الإمام ابن القيم - رحمه الله ) : أرادَ أنَّ الذُّنُوبَ سَبَبُ الفَسادِ الَّذِي ظَهَرَ، وإنْ أرادَ أنَّ الفَسادَ الَّذِي ظَهَرَ هو الذُّنُوبُ نَفْسُها فَتَكُونُ اللّامُ في قَوْلِهِ: ﴿لِيُذِيقَهم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ لامَ العاقِبَةِ والتَّعْلِيلِ، وعَلى الأوَّلِ فالمُرادُ بِالفَسادِ: النَّقْصُ والشَّرُّ والآلامُ الَّتِي يُحْدِثُها اللَّهُ في الأرْضِ عِنْدَ مَعاصِي العِبادِ، فَكُلَّما أحْدَثُوا ذَنْبًا أحْدَثَ اللَّهُ لَهم عُقُوبَةً، كَما قالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كُلَّما أحْدَثْتُمْ ذَنْبًا أحْدَثَ اللَّهُ لَكم مِن سُلْطانِهِ عُقُوبَةً.والظّاهِرُ - واللَّهُ أعْلَمُ - أنَّ الفَسادَ المُرادَ بِهِ الذُّنُوبُ ومُوجِباتُها، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيُذِيقَهم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ فَهَذا حالُنا، وإنَّما أذاقَنا الشَّيْءَ اليَسِيرَ مِن أعْمالِنا، ولَوْ أذاقَنا كُلَّ ...

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ جَـٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱغۡلُظۡ عَلَیۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ﴾ [التوبة ٧٣] لَمّا كانَ الجِهادُ ذِرْوَةَ سَنامِ الإسْلامِ وقُبَّتَهُ، ومَنازِلُ أهْلِهِ أعْلى المَنازِلِ في الجَنَّةِ، كَما لَهُمُ الرِّفْعَةُ في الدُّنْيا، فَهُمُ الأعْلَوْنَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في الذِّرْوَةِ العُلْيا مِنهُ، واسْتَوْلى عَلى أنْواعِهِ كُلِّها فَجاهَدَ في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ بِالقَلْبِ والجِنانِ والدَّعْوَةِ والبَيانِ والسَّيْفِ والسِّنانِ، وكانَتْ ساعاتُهُ مَوْقُوفَةً عَلى الجِهادِ بِقَلْبِهِ ولِسانِهِ ويَدِهِ. ولِهَذا كانَ أرْفَعَ العالَمِينَ ذِكْرًا، وأعْظَمَهم عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا.وَأمَرَهُ اللَّهُ تَعالى بِالجِهادِ مِن حِينِ بَعْثِهِ، وقالَ: ﴿وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلا تُطِعِ الكافِرِينَ وجاهِدْهم بِهِ جِهادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ...

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إنَّ رِضا اللَّهِ عَنِ العَبْدِ أكْبَرُ مِنَ الجَنَّةِ وما فِيها. لِأنَّ الرِّضا صِفَةُ اللَّهِ والجَنَّةَ خَلْقُهُ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ [التوبة: ٧٢] بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدْنٍ ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ ذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾. وَهَذا الرِّضا جَزاءٌ عَلى رِضاهم عَنْهُ في الدُّنْيا، ولَمّا كانَ هَذا الجَزاءُ أفْضَلَ الجَزاءِ، كانَ سَبَبُهُ أفْضَلَ الأعْمالِ. * إنَّ العَبْدَ إذا رَضِيَ بِهِ وعَنْهُ في جَمِيعِ الحالاتِ: لَمْ يَتَخَيَّرْ عَلَيْهِ المَسائِلَ. وأغْناهُ رِضاهُ بِما يَقْسِمُهُ لَهُ ويُقَدِّرُهُ ويَفْعَلُهُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ. وجَعَلَ ذِكْرَهُ في مَحَلِّ سُؤالِهِ. بَلْ ...

﴿وَلَا تَجۡعَلۡ یَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومࣰا مَّحۡسُورًا﴾ [الإسراء ٢٩] وأما الفرق بين الاقتصاد والشح، أن الاقتصاد خلق محمود يتولد من خلقين عدل وحكمة فبالعدل في المنع والبذل وبالحكمة يضع كل واحد منهما موضعه الذي يليق به فيتولد من بينهما الاقتصاد وهو وسط بين طرفين مذمومين كما قال تعالى: ﴿ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْها كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ وقال تعالى: ﴿والَّذِينَ إذا أنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا وكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوامًا﴾ وقال تعالى: ﴿كُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا﴾. وأما الشح: فهو خلق ذميم يتولد من سوء الظن وضعف النفس ويمده وعد الشيطان حتى يصير هلعا والهلع ...

يقول الامام ابن القيم " وَأمّا القَوْلُ عَلى اللَّهِ بِلا عِلْمٍ فَهو أشَدُّ هَذِهِ المُحَرَّماتِ تَحْرِيمًا، وأعْظَمُها إثْمًا، ولِهَذا ذُكِرَ في المَرْتَبَةِ الرّابِعَةِ مِنَ المُحَرَّماتِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْها الشَّرائِعُ والأدْيانُ، ولا تُباحُ بِحالٍ، بَلْ لا تَكُونُ إلّا مُحَرَّمَةً، ولَيْسَتْ كالمَيْتَةِ والدَّمِ ولَحْمِ الخِنْزِيرِ، الَّذِي يُباحُ في حالٍ دُونَ حالٍ. فَإنَّ المُحَرَّماتِ نَوْعانِ: مُحَرَّمٌ لِذاتِهِ لا يُباحُ بِحالٍ، ومُحَرَّمٌ تَحْرِيمًا عارِضًا في وقْتٍ دُونَ وقْتٍ، قالَ اللَّهُ تَعالى في المُحَرَّمِ لِذاتِهِ ﴿قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ﴾ [الأعراف: ٣٣] ثُمَّ انْتَقَلَ مِنهُ إلى ما هو أعْظَمُ مِنهُ فَقالَ ﴿والإثْمَ والبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ [الأعراف: ٣٣] ثُمَّ انْتَقَلَ مِنهُ إلى ما هو أعْظَمُ مِنهُ، فَقالَ ﴿وَأنْ تُشْرِكُوا ...

فإن قلت: كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار، ويتخلف العمل؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غدًا إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشدَّ عقوبة، أو يكرمه أتمَّ كرامة، ويبيت ساهيًا غافلًا، لا يتذكر موقفه بين يدي الملك، ولا يستعدّ له، ولا يأخذ له أهبته؟ قيل: هذا -لَعمرُ الله- سؤال صحيح وارد على أكثر هذا الخلق. واجتماعُ هذين الأمرين من أعجب الأشياء. وهذا التخلّف له عدة أسباب: أحدها: ضعف العلم ونقصان اليقين. ومن ظنّ أن العلم لا يتفاوت، فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها. وقد سأل إبراهيم الخليل ربَّه أن يُريه إحياءَ الموتى عيانًا، بعد علمه ...

* (فائدة) للامام ابن القيم رحمه الله فعل المَأْمُور مَقْصُود لذاته وترك المنْهِي مَقْصُود لتكميل فعل المَأْمُور فَهو مَنهِيّ عَنهُ لأجل كَونه يخل بِفعل المَأْمُور أو يُضعفهُ وينقصه كَما نبه سُبْحانَهُ على ذَلِك في النَّهْي عَن الخمر والميسر بكونهما يصدان عَن ذكر الله وعَن الصَّلاة فالمنهيات قواطع وموانع صادة عَن فعل المأمورات أو عَن كمالها فالنهي عَنْها من باب المَقْصُود لغيره والأمر بالواجبات من باب المَقْصُود لنَفسِهِ. وقال أيضًا: " فعل المأمور مقصود لذاته فهو مشروع شرع المقاصد فإن معرفة الله وتوحيده وعبوديته وحده والإنابة إليه والتوكل عليه وإخلاص العمل له ومحبته والرضا به والقيام في خدمته هو الغاية التي خلق لها الخلق وثبت بها ...

الطلب لِقاحُ الإيمان؛ فإذا اجتمع الإيمان والطلب أثمرا العملَ الصالح. وحسن الظن بالله لِقاح الافتقار والاضطرار إليه؛ فإذا اجتمعا أثمرا إجابةَ الدعاء. والخشية لِقاح المحبة؛ فإذا اجتمعا أثمرا امتثالَ الأوامر واجتناب المناهي. والصبر لِقاح اليقين؛ فإذا اجتمعا أورثا الإمامةَ في الدين؛ قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]. وصحة الاقتداء بالرسول لِقاح الإخلاص؛ فإذا اجتمعا أثمرا قبولَ العمل والاعتداد به. والعمل لِقاح العلم؛ فإذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة، وإن انفرد أحدهما عن الآخر لم يُفِدْ شيئًا. والحلم لِقاح العلم؛ فإذا اجتمعا حصلتْ سيادة الدنيا والآخرة وحصل الانتفاع بعلم العالم، وإن انفرد أحدهما عن صاحبه ...

ذَكَر الإمام القرافيُّ رحمه الله في «فروقه» فَرْقًا دقيقًا بين قاعدة الرِّياء في العبادة والتشريك فيها، فأَوضحَ أنَّ الرِّياءَ شركٌ وتشريكٌ مع الله تعالى في طاعته، وهو مُوجِبٌ للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة، وأنَّ ضابطَها: أَنْ يعمل العملَ المأمور به المتقرَّبَ به إلى الله ويقصد به وجهَ الله تعالى وأَنْ يعظِّمه النَّاسُ أو بعضُهم فيَصِلَ إليه نفعُهم أو يندفع عنه ضررُهم، فهذا أحَدُ قسمَيِ الرِّياء وهو «رياء الشِّرك»، وقسمٌ آخَرُ يعمل العملَ لا يريد به وجهَ الله ألبتَّةَ، بل يريد الناسَ فقط، فهذا القسم يسمَّى: «رياءَ الإخلاص»، فالغرض مِنَ الرِّياء هو التعظيم وما يتفرَّع عنه مِنْ جلب المصالح ودفعِ ...
Visits: 1560