اللهم إنّا نعوذ بك من الحَوْرِ بَعْدِ الكَوْرِ

Home / الحديث / اللهم إنّا نعوذ بك من الحَوْرِ بَعْدِ الكَوْرِ
اللهم إنّا نعوذ بك من الحَوْرِ بَعْدِ الكَوْرِ
بسم الله الرحمن الرحيم
روى الامام مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر ، والامام الترمذي في جامعه والنسائي وابن ماجه في سننهما ، ثلاثتهم من حديث عبد الله بن سرجس .
قالا (أي : ابن عمر وابن سرجس رضي الله عنهما ): ” كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، إذا سافرَ ، يتعوذُ ، فيقول: ” اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِن وَعثاءِ السَّفرِ ، وَكَآبةِ المُنقَلبِ ، والحَورِ بعدَ الكَورِ…….” . 
قال ابن فارس : ” يقال : حار إذا رجع . قال الله تعالى { إنه ظن أن لن يَحُور..} والعرب تقول : الباطل في حور . أي رجع ونقص . وكل نقص ورجوع حورٌ.. ويقال: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وهو النقصان بعد الزيادة، ويقال حار بعدما كان ” ( معجم مقاييس اللغة (2/117)).

قال ابن منظور في لسان العرب :” الحور: الرجوع عن الشيء، وإلى الشيء… وكل شيء تغيَّر من حال إلى حال فقد حار يحور حورًا…” اه
قال العلامة السندي في حاشيته: “والكور لف العمامة وجمعها والحور نقضها، والمعنى الاستعاذة بالله من فساد أمورنا بعد صلاحها كفساد العمامة بعد استقامتها على الرأس” حاشية السندي على النسائي
ولقد فسّر الإمام الترمذي الحور بعد الكور بِ : “الرجوع من الإيمان إلى الكفر أومن الطاعة إلى المعصية “
وقال العلامة المباركفوري في – تحفة الاحوذي -: أي النقصان بعد الزيادة و فساد الأمور بعد صلاحها ” . اه

قال العلامة المازري:”معناها أعوذ بك من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا فيها” يقال: “كار عمامته إذا لفها، وحارها إذا نقضها”.

ولاشك أنها جميعاً تصب في معنى واحد، وهو تبدل حال المؤمن من الحسن إلى السيئ، وضعف إيمانه، ونقصان عمله الصالح الذي اعتاد عليه.
ولذا قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه – : كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُكْثِرُ أن يقولَ: ” يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ” .

 فقلت: ” يا رسولَ اللَّهِ ، آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فَهَل تخافُ علَينا ؟ “
قَالَ : ” نعم ! إنَّ القُلوبَ بينَ إصبُعَيْنِ مِن أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ
رواه الترمذي (2140) وصححه الالباني
 فالحور هو الإنتكاس والرجوع من الإيمان إلى الكفر أو من السنة الى البدعة ، ومن الطاعة إلى المعصية أو الرجوع من الاستقامة أومن الزيادة إلى النقص.
وانَّ من أعظم أسباب الانتكاس : ترك التحصن بالعلم النافع ، وعدم لزوم غرز علماء السنة والاثر خاصة في زمن الفتن والخطر، ومصاحبة أهل البدع والضرر
 
قال الامام الذهبي – رحمه الله – في ترجمة ابن الريوندي أو الراوندي :
” وكان يلازم الرافضة والملاحدة , فإذا عُوتب قال : إنما أريد أن أعرف أقوالهم , إلى أن صار ملحدا , وحط على الدين والملة  .
ثم قال الذهبي في ختام ترجمة ابن الروندي : ” لعن الله الذكاء بلا إيمان ، ورضي الله عن البلادة مع التقوى ” .  السير ” (4/59) .
 
والذين يصابون بهذا المرض ” داء الانتكاس ” أنواع :
أولا : من أدَّى به انتكاسه إلى الكفر والعياذ بالله كأن يشك في البعث والنشور والجنة والنار أو يترك الصلاة جاحدا ، أو يستهزىء بالدين ويسخر من أهله .
ثانيا : من رغب عن سبيل السنة الى مسالك البدع والاهواء .
ثالثا: من هان عليه ارتكاب المعاصي وترك الواجبات .
فعلى طالب النجاة أن يقتلع مسامير الشُبهات والشَهوات من قلبه، والتي تعرقل  سيره الى ربه جل وعلا .
 قال الامام ابن الجوزي: “إنك إذا اشتَبَكَ ثوبُك في مسمارٍ، رجعتَ إلى الخلف لتُخلِّصه، وهذا مسمارُ الذنب قد عَلَقَ في قلبك، أفلا تنزعه؟! … انزَعْهُ، ولا تَدَعْهُ بقلبك يغدو عليك الشيطان ويَرُوحُ، اقْلَعِ الذنبَ من قلبك“. اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة “مجموع الفتاوى” (16 / 58): “فإن العبد إنما يعود إلى الذَّنب؛ لبقايا في نفسه، فمَن خرج مِن قلبه الشبهة والشهوة، لم يعد إلى الذنب “. اه . ( والذنب يشمل : الشرك والبدعة والمعصية  ).
وقال الامام ابن القيم  في “الجواب الكافي” : ” فلو نظر العاقلُ، ووازَنَ بين لذَّة المعصية، وما تولَّد فيه من الخوف والوحشة، لَعَلِمَ سوء حاله، وعظيم غبْنه؛ إذْ باع أُنسَ الطَّاعة وأمنَها وحلاوتَها، بوحشة المعصية، وما تُوجبه من الخوف

وسرُّ المسألة: أنَّ الطَّاعة تُوجب القُرب من الرَّبِّ – سبحانه – وكلَّما اشتدَّ القرب، قَوِيَ الأُنس، والمعصية توجب البعد من الرَّبِّ، وكلَّما زاد البُعْد، قوِيت الوحْشة؛ ولهذا يَجد العبد وحشةً بيْنَه وبين عدوِّه؛ للبعد الَّذي بيْنهما، وإن كان ملابسًا له، قريبًا منه، ويجد أنسًا قويًّا بينه وبين من يُحب، وإن كان بعيدًا عنْه.

والوحشة سبَبُها الحجاب، وكلَّما غلظ الحِجاب، زادت الوحشة، فالغفْلة تُوجب الوحشة، وأشد منها وحشةُ المعصية، وأشدُّ منها وحشةُ الشِّرك والكفر، ولا تَجد أحدًا يُلابس شيئًا من ذلك إلاَّ ويعْلوه من الوحشة بِحسَب ما لابَسه منه، فتعلو الوحشةُ وجْهَه وقلْبَه، فيستوْحِش، ويُستوحَش منه“.اه
والحمد لله رب العالمين .

Visits: 9972