فقد روى أيضًا ابن سعد وابن أبي شيبة عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف) .فإذا كان ذلك كذلك فتأمل قوله تعالى : ” وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” قال الامام البغوي في تفسيره : ( يَعْنِي: بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُ وَتَثْمِيرُهُ ) ، لا بما فيه إهداره وتضييعه ، وما لا حاجة إليه إلا نادرا . ولذا ذكر السيوطي في الأشباه والنظائر قاعدة : ” تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة ” أي المصلحة الراجحه لا المرجوحه أو الضعيفة وكذلك للحاجة الغالبة لا النادرة لأن المتقرر شرعا أن الحكم للغالب وأما النادر فلا حكم له .
والمراد بالراعي هو كل من ولي من أمور العامة شيئاً ، سواءا كان حاكما عاما أو من هو دون ذلك من المسؤولين عن الأموال العامة سواءا كانت وقفا أو سلطة محلية أو صناديق خيرية تعاونية وما شابه ذلك…. .
فإنَّ نفاذ تصرفات كل منهم على العامة مترتبٌ على وجود المنفعة الراجحة في ضمنها والحاجة الغالبة لا النادرة ؛ لأنه مأمور شرعا أن يحوطهم بالنصح فيما هو أنفع وأحسن لعموم الناس ، ومتوعَدٌ من قبله على ترك ذلك بأعظم وعيد ، فقد جاء في الحديث :” من ولي من أمور هذه الأمة عملاً فلم يحطها بنصح ، لم يرح رائحة الجنة ” .
قال العلامة أبن عثيمين رحمه الله : ” وفي هذا الحديث تحذير من بذل المال في غير ما ينفع والتخوض فيه ؛ لأن المال جعله الله قياماً للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم ، فإذا بذله في غير مصلحة كان من المتخوضين في مال الله بغير حق ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” (2/538) .
والحمد لله رب العالمين .
Visits: 540