بسم الله الرحمن الرحيم
قال الامام ابن القيم رحمه الله في كتابه “الروح ” ص357: “والفرق بين النصيحة والغيبة أن النصيحة يكون القصد فيها تحذير المسلم من مبتدع أو غاش أو مفسد فتذكر ما فيه إذا استشارك في صحبته ومعاملته والتعلق به كما قال النبي صلى الله عليه وآله و سلم لفاطمة بنت قيس وقد استشارته في نكاح معاوية وأبى جهم فقال: ” أما معاوية فصعلوك , وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه “,
فإذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة لله ورسوله وعباده المسلمين فهي قربة الى الله من جملة الحسنات, وإذا وقعت على وجه ذم أخيك وتمزيق عرضه والتفكه بلحمه والغض منه لتصنع منزلته من قلوب الناس فهي الداء العضال ونار الحسنات التي تأكل كما تأكل النار الحطب“. انتهى كلامه
وقد ذكر أهل العلم الله عدة أدلة على جواز ذلك وهي :
-عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن رجلاً استأذن على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: ((ائذنوا له بئس أخو العشيرة)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب .
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: قال القاضي عياض: ، “هذا الرجل هو عيينة بن حصن ولم يكن أسلم حينئذ ، وإن كان قد أظهر الإسلام ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس ولا يغترّ به من لم يعرف حاله ” .
– وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((ما أظن فلاناً وفلاناً يعرفان من ديننا شيئاً)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث (( إن مثل هذا الذي وقع في الحديث ليس من الظن المنهي عنه ، لأنه في مقام التحذير من مثل من كان حاله كحال الرجلين )) فتح الباري ج 10 ص 486 .
-وعن فاطمة بنت قيس رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني، فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلم: ((وأما أبو الجهم فضراب للنساء)) وهو تفسير لرواية: ((لا يضع العصا عن عاتقه)) .وقيل معناه: كثير الأسفار.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ساق هذا الحديث (( وكان هذا نصحا لها ـ وإن تضمّن ذكر عيب الخاطب ـ وفي معنى هذا نصح الرجل فيمن يعامله ، ومن يوكله ، ويوصي إليه ، ومن يستشهده ، وبل ومن يتحاكم إليه ، وأمثال ذلك ، وإن كان هذا في مصلحة خاصة فكيف بالنصح فيما يتعلق به حقوق عموم المسلمين : من الأمراء والحكام والشهود والعمال : أهل الديوان وغيرهم ، فلا ريب أن النصح في ذلك أعظم )) مجموع الفتاوى ج 28 ص 230
–وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت، قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم،قال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
القـدح ليس بغيـبة في ستـة ********* متـظـلم ومعرف ومحـذر
ومجـاهر فسقاً ومستفت ومن ******* طلب الإعانة في إزالـة منكر
قــال عبد الله بن الإمام أحمد: جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي فجعل أبي يقول: فلان ضعيف وفلان ثقة، فقال أبو تراب: يا شيخ لا تغتب العلماء ! قــال: فالتفت إليه أبي وقــال:(ويحــك؛هذه نصيحة، هذا ليس غيبة).(شرح علل الترمذي ابـن رجب (1/349))
وقال أيضًا الإمام أحمد رحمه الله تعالى : ” إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم “.
وقال بعض الصوفية لابن المبارك: تغتاب ؟!، قال: “ اسكت إذا لم نبين كيف نعرف الحق من الباطل؟!!!!.
وأخرج مسلم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : “إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ“.
و ذكر العلامة الشاطبي في الاعتصام ضمن حديثه عن أحكام أهل البدع : “ ذكرهم بما هم عليه ، وإشاعة بدعتهم كي يحذروا ، ولئلا يغتر بكلامهم ، كما جاء عن كثير من السلف ذلك ” . اهـ . الاعتصام
وروى اللالكائي عن عاصم الأحول أنه قال : جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فيه فقلت : يا أبا الخطاب ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض ؟ قال : ” يا أحول ولا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تُعلم … . ” اهـ .
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة .
و جاء في رسالة أسد بن موسى إلى أسد بن فرات : ” أعلم أخي إنما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس وحسن حالك ، مما أظهرت من السنة ، وعيبك لأهل البدعة ، وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم ، فقمعهم الله بك ، وشد بك ظهر أهل الحق ، وقوّاك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم ، فأذلهم الله بذلك ، وصاروا ببدعتهم مستترين فأبشر أي أخيّ بثواب ذلك ، واعتد به أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنة رسوله ” . اهـ .كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ضمن حديثه عمن يجوز ذكر ما فيهم من الشر من المعيّنين : ” ومثل أئمة البدع ، من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة ، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة ، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين ” . اهـ . مجموع الفتاوى ج 28 ص 231
والحمد لله رب العالمين .
Visits: 1409