تصحيح لمفهوم كفالة اليتيم المنتشر بين الناس اليوم

Home / الفقه / تصحيح لمفهوم كفالة اليتيم المنتشر بين الناس اليوم
تصحيح لمفهوم كفالة اليتيم المنتشر بين الناس اليوم

بسم الله الرحمن الرحيم

يظنُّ معظمُ الناس اليوم أنَّ كفالة اليتيم هي مجرد إعطاء مبلغٍ شهريٍ من المال لذاك اليتيم ينال بهذا المنزلة الرفيعة.

نعم قد ورد الحث على إنفاق المال على اليتيم بخصوصه؛ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( َإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ ، مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ …….) رواه البخاري (1465) ومسلم (1052) لكن هذه النفقة ليست هي كل الكفالة التامة التي ندب إليها الشرع ، ووعد صاحبها مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ، إنما هي جزء قليل منها .

إنما الكفالة التامة التي وردت في قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ، وأشار بالسبابة والوسطى ، وفرق بينهما ) البخاري (5304). فهي : القيام بأمره ، والنظر في مصالحه الدينية والدنيوية ، وتربيته ، و الإحسان إليه حتى يزول يتمه .

واليتيم : هو الذي فقد أباه قبل أن يبلغ الولد الحلم لأنه ” لا يُتْمَ بعد إحتلام  كما أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام

قال ابن الأثير رحمه الله : ( الكافل هو القائم بأمر اليتيم ، المربي له ) النهاية 4/192 .

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : ( كفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه ؛ بما يصلحه في دينه من التربية والتوجيه والتعليم ، وما أشبه ذلك ، وما يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن . ) شرح رياض الصالحين 5/113 .

ودخول مصالح اليتيم الدينية والتربوية في معنى الكفالة ، ليس أقل من دخول المصالح المادية الدنيوية ، بل هي أولى ، كما أن قيام الأب على تربية أبنائه ، وتأديبهم ، أعظم من مجرد إنفاقه عليهم .

قال الشيخ ابن سعدي ـ في تربية الإنسان لأبنائه ـ : ( كما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم ، فأنت قائم بالحق مأجور ، فكذلك ، بل أعظم من ذلك ، إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة ، والمعارف الصادقة ، والتوجيه للأخلاق الحميدة ، والتحذير من ضدها ) بهجة قلوب الأبرار 128

قال المناوي في فيض القدير : ” وتلك هي الكفالة الحقيقية لليتيم ؛ أن يربيه تربية ابنه ، ولا يقتصر على الشفقة عليه والتلطف به ، ويؤدبه أحسن تأديب ، ويعلمه أحسن تعليم ” اه فيض القدير  1/108

والحاصل أن أعلى مقامات كفالة اليتيم هي أن يضمه الإنسان إلى ولده ؛ فيربيه تربيتهم ، وينفق عليه كما ينفق عليهم .

فإن لم يكن للكافل مال يسع اليتيم ، أو كان لليتيم من المال ما يستغني به ، وضمه الإنسان إلى أولاده ، فهذا ، وإن كان دون المنزلة الأولى ، فهو من أعظم معاني الكفالة ، ومن أعظم مقاصدها ؛ حتى قال النووي رحمه الله : (وهذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم من مال نفسه، أو مال اليتيم بولاية شرعية) نقله ابن علان في دليل الفالحين 3/104

أخيرًا ما هو السر في مرافقة كافل اليتيم للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ؟

قال الحافظ العراقي  🙁لعل الحكمة في كون كافل اليتيم شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي، أو منزلة النبي، لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم، فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه، بل ولا دنياه ن ويرشده ويعلمه، ويحسن أدبه) نقله الحافظ في الفتح 10/437

الحمد لله رب العالمين .

Hits: 273