بسم الله الرحمن الرحيم
إن تهنئة اليهود والنصارى بأعيادهم الدينية – التي هي جزء من عقيدتهم ومظهر من مظاهر شعائرهم الخاصّة بهم – من أكبر الغش والخداع لهم مع ما فيه من إعانة وإقرار لما هم عليه من الشرك المبين – وإن كان ذلك ظاهرا لا باطنا – .
والله جل وعلا يقول : “ولا تعاونوا على الأثم والعدوان ” ، أضف إلى ذلك ما يفضي إليه هذا الفعل المنكر الشنيع من تلبيس وتضليل لعوام المسلمين وإضعاف للولاء والبراء أوثق عرى هذا الدين .
ولقد جاء في وصف عباد الرحمن أهل التقوى والايمان في آخر سورة الفرقان ” وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ”
والزور: أعياد المشركين، كما جاء عن أئمة السلف مجاهد والربيع بن أنس وعكرمة والقاضي أبو يعلى والضحَّاك،
قال الامام ابن جرير الطبري :“الذين لا يشهدون شيئا من الباطل لا شركا, ولا غناء, ولا كذبا ولا غيره, وكلّ ما لزمه اسم الزور ..”
وسُميت أعيادهم زوراً؛ لأن الزور يطلق على المموَّه والمحسّن الذي يظهر بخلاف حقيقته إما لشهوة، أو لشبهة، فالشرك ظهر حسنه لشبهة، والغناء ظهر حسنه لشهوة، وأعياد المشركين جمعت بين الشهوة والشبهة.
ووجه الدلالة من الآية: أنه مدحهم على مجرد ترك أعياد المشركين؛ فدل ذلك على أن فعله مذموم معيب، إذ لو جاز فعله لما كان في تركه كبير مدح. وقد مدح الله عباد الرحمن بجملة من الصفات، وما من صفة مُدحوا على تركها إلا وهي محرمة
فإذا كان الامر كذلك فكيف يمكن الجمع بين حرمة شهود أعياد المشركين وبين إباحة تهنئتهم بها كما يزعم بعض المتعالمين سبحانك ما هذا إلا إفكٌ مبين وقولٌ ملفقٌ مَهين .
ولو رُخٌّصَ ذلك لفعله سلف هذه الامة المشهود لهم بالخيرية وهم أحسن الناس خلقا وأكثرهم أدبا وأعمقهم علما وأوسعهم فقها.
ونصوص الوحيين تدل على حرمة تهنئة المشركين بأعيادهم الدينية لو عقلها المتحذلقون الذين يزايدون على هدي سيد المرسلين وما كان عليه الصحابة والتابعين ويتظاهرون بالانسانية وحسن الخلق !!
ضاربين بما اتفق عليه السلف – من أهل العلم الراسخين – عرض الحائط غير مبالين ولا مستحين .
وحال أحدهم في تفننه في البدع والمحدثات :
وإِنــي وَإِن كـنـت الْأَخـيـر زِمـانـه
لَآَت بـمـا لــم تَسْتـطـعـه الأوَائـــل
فإذا علمنا أن أعياد المشركين من الزور – باطلة شرعا – لما تقوم عليه من عقيدة شركية فاسدة فكيف يسوغ لمسلم أن يهنأ أحدا بباطل أو زور بدعوى حسن الخلق ورد الجميل والتسامح والتعايش سبحانك هذا بهتان عظيم وخلق ذميم ينافي ما تميزت به هذه الأمة المحمدية من النصح لكل أحد فنالت بذلك الخيرية على سائر البشرية
قال تعالى : ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ “
ومعاذ الله أن نكون كمن قال الله تعالى فيهم : “الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ” .
ونحن نعيش في زمن غربة شديدة انعكست فيه المفاهيم ومُسخت فيه الفطر حتى غدا المعروف منكرا والمنكر معروفا .
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة الا بالله الملك الديّان .
يقول الامام ابن القيم – رحمه الله – في كتاب أحكام أهل الذمة :
”وأما الـتهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول: عيد مبارك عليك ، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك،ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه .” انتهى كلامه
وقال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم : ” وهذا يوجب العلم اليقيني، بأن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعا قويا عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها ، وطمسها بكل سبيل،
وليس في إقرار أهل الكتاب على دينهم، إبقاء لشيء من أعيادهم في حق أمته،
كما أنه ليس في ذلك إبقاء في حق أمته؛ لما هم عليه في سائر أعمالهم ، من سائر كفرهم ومعاصيهم،
بل قد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفتهم في كثير من المباحات، وصفات الطاعات؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزا ومانعا عن سائر أمورهم ، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم، كان أبعد لك عن أعمال أهل الجحيم , فليس بعد حرصه على أمته ونصحه لهم غاية – بأبي هو وأمي – وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” اه
هذا والله أعلم والحمد لله رب العالمين .
Visits: 98