تَطبيقُ السُنَّةِ إنما يَكُونُ وِفقَ السُنَّة

Home / الحديث / تَطبيقُ السُنَّةِ إنما يَكُونُ وِفقَ السُنَّة
تَطبيقُ السُنَّةِ إنما يَكُونُ وِفقَ السُنَّة
إن التزاحم على الصف الأول وإن كان أمرا مشروعا لما ورد من الترغيب في إتمام الصفوف الأول فالأول، ولما للصف الأول من الفضيلة العظيمة، لكن ينبغي أن ينتبه المسلمون إلى أمر مهم، وهو أن إتمام الصف الأول والمزاحمة للقيام فيه لا يجوز أن تجر إلى أذية المسلمين ومضايقتهم بحيث يذهب خشوعهم، بل متى تم الصف ولم توجد فيه فرجة إلا بالتضييق على المسلمين وأذيتهم فليقف المصلي في الصف التالي ولا يؤذي إخوانه وهو مأجور بنيّته وحرصه ـ إن شاء الله.
-كذلك روى أبو داود (1118) وابن ماجه (1115) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اجْلِسْ ، فَقَدْ آذَيْتَ ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال الترمذي : ” والعمل عليه عند أهل العلم ، كرهوا أن يتخطى الرجل يوم الجمعة رقاب الناس ، وشددوا في ذلك ” انتهى .
وهذا ما رجَّحَه جمع من المحققين ، كابن المنذر وابن عبد البر والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية ، كما في “الاختيارات الفقهية” (ص 81) وغيرهم ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين .
قال ابن المنذر معللاً القول بالتحريم : لأن الأذى يحرم قليله وكثيره ، وهذا أذى ، كما جاء في الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن يراه يتخطى : ( اجلس فقد آذيت ) “المجموع” (4/467) .  
وقال ابن عبد البر في “التمهيد” (1/316) : وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتخطي يوم الجمعة : (آذيت) بيان أن التخطي أذى ، ولا يحل أذى مسلم بحال ، في الجمعة وغير الجمعة ” اه
وقال النووي في “روضة الطالبين” (11/224) : المختار أن تخطي الرقاب حرام ، للأحاديث فيه .
وقال العلامة ابن عثيمين : ” تخطي الرقاب حرام حال الخطبة وغيرها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل رآه يتخطى رقاب الناس :     (اجلس فقد آذيت) ويتأكد ذلك إذا كان في أثناء الخطبة ؛ لأن فيه أذيةً للناس ، وإشغالاً لهم عن استماع الخطبة ، حتى وإن كان التخطي إلى فرجة ؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة ”  انتهى .
-اذا تزاحم فعل مستحب مع ترك محظور قدم ترك المحظور على فعل المستحب
قال العلامة العثيمين مبينا هذه القاعدة المهمة- في معرض حديثه عن حكم التورك إذا كان يؤذي من بجانبه-:
فهنا اجتمع عندنا شيئان: فعل سنة، ودفع أذى عن المسلم فأيّهُما أولى ؟ فعل السنة؟ أو دفع الأذى؟
دفع الأذى، لأن أذيّة المؤمن ليست بالهينة، أذية المؤمن ولو بالقول فضلاً عن الفعل الذي يحصل في الصلاة ويشوِّش عليه صلاته، أذية المؤمن تكون بالقول أو بالفعل .                                                  
وخرج مرَّةً على أصحابه وهم في المسجد يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال:” كلكم يناجي ربه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً في القراءة“. أين هي الأذية؟   الأذية: أنك إذا جهرت شوَّشتَ على الذين هم حولك فآذيتَهم، فهذه القاعدة انتبه لها: ترك السنة مع دفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية.                                                                              
 فهذا المتورك إذا كان بتوركه يؤذي جاره فلا يتورك، وإذا علم الله من نيته: أنه لولا هذا لتورك فإن الله يثيبه، لأنه يكون كمن قال فيهم رسول الله: ” إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً “. انتهى.
ملاحظة: أما بالنسبة لمن يضيق صدره بالسنّة من الناس لأنها تخالف هواه أو ما أعتاد عليه أهل بلده فهذا لا يعبأ به ولا يلتفت اليه  .
وسئل الامام ابن باز رحمه الله : نلاحظ أن بعض الناس إذا قام إلى الصلاة يبالغ في الفتحة ما بين رجليه حتى أنه يؤذي من بجانبه؟
فأجاب : “ينبغي لكل مصلي أن لا يؤذي جاره وأن يحرص على سد الخلل من دون أذى كل واحد يطلب من أخيه أن يقرب حتى يلصق قدمه بقدمه من دون محاكاة ولا أذى، المقصود سد الخلل، هذا يفسح ويباعد بين رجليه ويؤذي جيرانه، ولا يمتنع الجيران من القرب منه، بل كل واحد يقرب من أخيه ويسد الخلل كما أمر بهذا النبي – عليه الصلاة والسلام- فإنه قال: (سدوا الفرج)، وقال أنس – رضي الله عنه -: “كان أحدنا يلصق قدمه بقدم صاحبه“، فينبغي لك يا عبد الله أن تلاحظ سد الخلل وسد الفرج من دون أن تؤذي جيرانك بالفسح، وهكذا جارك يحرص على أن يستقيم في وقفته وفي موضع قدميه حتى يحصل سد الخلل من دون أذى من كل واحد لجاره”. انتهى
كذلك في بالنسبة لتقبيل الحجر الاسود:
قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إن بعض العوام يظن أن من لا يقبل الحجر ولا يستلمه ينقص حجه  وهذا غير صحيح، فإن استلام الحجر وتقبيله سنة في حال السعة إذا لم يكن هناك زحام، أما إذا كان هناك زحام فإن السنة والأفضل في حق الإنسان أن لا يزاحم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف, إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر ـ وكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يكره المزاحمة ويقول: لا يؤذي ولا يؤذى. اهـ.

Hits: 245