فإن العلم لما كان أشرف الأشياء لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار وهجر اللذات والراحة.
حتى قال بعض الفقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس.
وكذلك الزهد يحتاج إلى صبر عن الهوى ، والعفاف لا يكون إلا بكف كف الشره.
ولله أقوامٌ ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها فهم يبالغون في كل علم ويجتهدون في كل عمل ويثابرون على كل فضيلة.
فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك قامت النيات نائبة ، وهم لها سابقون.
وأكمل أحوالهم إعراضهم عن أعمالهم ، فهم يحتقرونها مع التمام ويعتذرون من التقصير.
ومنهم من يزيد على هذا فيتشاغل بالشكر على التوفيق لذلك ومنهم من لا يرى ما عمل أصلاً لأنه يرى نفسه وعمله لسيده.
وبالعكس من المذكور عن أرباب الاجتهاد حال أهل الكسل والشره والشهوات.
فلئن التذوا بعاجل الراحة لقد أوجبت ما يزيد على كل تعب من الأسف والحسرة
ولقد تأملت نيل الدر من البحر فرأيته بعد معاناة الشدائد.
ومن تفكر فيما ذكرته مثلاً بانت له أمثال.
فالموفق من تلمح قصر الموسم المعمول فيه وامتداد زمان الجزاء الذي لا آخر له انتهب حتى اللحظة وزاحم كل فضيلة فإنها إذا فاتت فلا وجه لاستدراكها.
أو ليس في الحديث يقال للرجل: ” اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها“
فلو أن الفكر عمل في هذا حق العمل حفظ القرآن عاجلاً. ” انتهى
Hits: 213