بسم الله الرحمن الرحيم
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مرفوعا :”أنا فرطكم على الحوض أنتظركم ليرفع لي رجال منكم حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول :رب أصحابي ! رب أصحابي ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك” صحيح الجامع(1470)
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: “ورود النّاس الحوض وشربهم منه يوم العطش الأكبر بحسب ورودهم سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وشربهم منها، فمن وردها في هذه الدّار وشرب منها وتضلّع ورد هناك حوضه وشرب منه وتضلّع. فله صلى الله عليه وآله وسلم- حوضان عظيمان، حوض في الدنيا وهو سنّته وما جاء به، وحوض في الآخرة، فالشّاربون من هذا الحوض في الدنيا هم الشّاربون من حوضه يوم القيامة، فشارب ومحروم، ومستقل ومستكثر“ اجتماع الجيوش
قال القرطبي في “التذكره”: “ قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين : فكل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم كالخوارج على اختلاف فرقها والروافض على تباين ضلالها والمعتزلة على أصناف أهوائها فهؤلاء كلهم مبدلون وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم والمعلنون بالكبائر المستحفون بالمعاصي وجماعة أهل الزيغ و الأهواء والبدع ، ثم البعد قد يكون في حال ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد وعلى هذا التقدير يكون نور الوضوء يعرفون به ثم يقال لهم سحقا وإن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يظهرون الإيمان ويسرون الكفر فيأخذهم بالظاهر ثم يكشف لهم الغطاء فيقول لهم : “سحقا سحقا” ولا يخلد في النار إلا كافر جاحد مبطل ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان” انتهى
فعلى هذا يكون الإنسان على حذرٍ شديد من الإحداث والابتداع في الدين؛ لئلا يذاد عن هذا الحوض، ويكون أيضاً على نظرٍ إلى العاقبة، وحسن الخاتمة. ولا يغفل أن يسأل الله -جل وعلا- في كل لحظة أن يميته مسلماً على السُنّة غير محدثٍ ولا مبدل، ولا زائغٍ عن هذا الدين.
وعن عبد الله بن مسعود مرفوعا : “إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها !” قالوا: ” يا رسول الله، فما تأمرنا!” قال: ” تؤدُّون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم” [ متفق عليه] . وعن أسيد بن حضير مرفوعا قال ” إنكم ستلقون بعدي أثرةً ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ” [متفق عليه] .
قال الامام ابن عثيمين رحمه الله : “أما حديث أسيد بن حضير ـ رضي الله عنه ـ فهو كحديث عبد الله بن مسعود أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ((إنها ستكون أثرة)) ولكنه قال : ((اصبروا حتى تلقوني على الحوض)) . يعني: اصبروا ولا تنابذوا الولاة أمرهم حتى تلقوني على الحوض يعني أنكم إذا صبرتم فإن من جزاء الله لكم على صبركم أن يسقيَكم من حوضه حوض النبى صلى الله عليه وسلم ، اللهم اجعلنا جميعا ممن يرده ويشرب منه . هذا الحوض الذي يكون في يوم القيامة في مكان وزمان أحوج ما يكون الناس إليه لأنه في ذلك المكان وفي ذلك الزمان ، في يوم الآخرة يحصل على الناس من الهم والغم والكرب والعرق والحر ما يجعلهم في أشد الضرورة إلى الماء فيَرِدونَ حوض النبي صلى الله عليه وسلم . حوض عظيم طوله شهر وعرضه شهر يصب عليه ميزابان من الكوثر ، وهو نهر في الجنة أُعْطِيَهَ النبي صلى الله عليه وسلم يصبَّان عليه ماء ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأطيب من رائحة المسك وفيه أوان كنجوم السماء في اللمعان والحسن والكثرة ، من شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبدًا . اللهم اجعلنا ممن يشرب منه . فأرشده النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى أن يصبروا ولو وجدوا الأثرة فإن صبرهم على ظلم الولاة من أسباب الورود على الحوض والشرب منه” .
ثم قال : “ ولكن يجب أن نعلم أن الناس كما يكونون يُوَلَّى عليهم إذا أساؤوا فيما بينهم وبين الله فإن الله يُسَلِّط عليهم ولاتهم ، كما قال تعالى :﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ فإذا صلحت الرعية يَسَّرَ الله لهم ولاة صالحين ، وإذا كانوا بالعكس كان الأمر بالعكس ” انتهى . شرح رياض الصالحين المجلد الأول
والحمد لله رب العالمين .
Visits: 339