الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فإن المسلم الصادق مع ربه و نفسه وقاف على حدود الله متثبت فيما ينقله من أخبار عملا بقوله تعالى : (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) [الحجرات:6] وأما المتسرع المندفع الذي يجمع الغث مع السمين لا يهمه هذا كله ، بل الذي يهمه ويعمل جاهدا على تحصيله أن يظهر أمام الناس بزي المثقفين وليقول الناس فلان مثقف في الدين!!!!
فالعجب من هؤلاء ذهب بهم حب الظهور إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم أولم يسمعوا بحديث :” إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” ([1]) ؟ و مما تعود الناس على قوله والإستدلال به حديث : ” العمل عبادة ” وما هَمُّ هؤلاء إلا إسقاط العباد الزهاد لما رأوهم في تلك الحالة الطيبة فاختلقوا لهم هذا الحديث حتى يسخرون منهم ويبينوا للجهلة أن العابد وطالب العلم ليس أفضل حالا من المفتون بالدنيا .
ومما عجبت له كذلك قول بعضهم : ” لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع” و قصدوا بهذا القول أن هذا العصر لا يحتاج إلى العلم الشرعي!!! بل الهم كل الهم أن نعمل لتحقيق المطالب الدنيوية !!! أفلا شاهت الوجوه
بلغ بهم الأمر إلى هذا الحد ؟ فليعلم المتهوكون أن الأحاديث الضعيفة وليس فقط الموضوعة لا يعمل بها في الفضائل ولا في الأحكام ولا في غير ذلك على القول الصحيح من كلام أهل العلم ثم ان حديث : ” العمل عبادة ” لا أصل له في شيء من كتب السنة المتداولة عندنا فمن أين جاءوا به ؟
وربما يتشدق البعض بتلك القصة الواهية التي تدور وقائعها حول ذلك الرجل الذي كان يتعبد الله في المسجد ليل نهار وله أخ يعمل طول الوقت لينفق عليه ، فلما رآه النبى صلى الله عليه وسلم قال له : ” من ينفق عليك ؟ قال : أخي . قال : أخوك أعبد منك” ، ومنهم من يقول تعقيبا على هذا الحديث : ” فأدخل الله العابد النار وأدخل الآخر الجنة” !!! ، وهذا كذلك باطل لا أصل له كسابقه
ويضاف إلى ذلك الحديث الصحيح الذي يعارض تلك القصه الباطله
فقد قال الترمذى : ”حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال : ” كان أخوان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتى النبى صلى الله عليه وسلم والأخر يحترف فشكى المحترف أخاه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له : لعلك ترزق به “([2])
ولزيادة المعلومات أيضا فحديث : ”لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع” لا أصل له ، بل ليس بحديث أصلا إنما هو قول أحد الكتاب المعاصرين ، و هذا فيه تهكم على أمة محمد إذ كيف ينفي عليها الخيرية بالكلية ؟ أليس هذا تعسفا في حق إخوانه المسلمين ؟ أم أن الحضارة الغربية وزبالات الفلاسفة أخذت عقله ؟
ومع هذا لا نقول لا تعملوا ومن قال هذا فقد عارض الأحاديث النبوية التي تحث على الكسب الحلال وكسب اليد فعن المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ” ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ”([3])
والأحاديث كثيرة في هذا الباب ، و مما جاء عن السلف رحمة الله عليهم أن علي بن الفضيل قال:” سمعت أبي وهو يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام كيف ذا؟! فقال ابن المبارك: يا أبا علي إنما أفعل ذا لأصون به وجهي وأكرم به عرضي وأستعين به على طاعة ربي ، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به ، فقال له الفضيل: يا ابن المبارك ما أحسن ذا ، إن تم ذا” ([4]).
ولتعلموا جيدا أن طلب العلم الشرعي يعد من أعظم العبادات ، فطالب العلم سيحيي الله على يده أمة كاملة أماتها الجهل .
هذا والله أسأل أن يجعلنا من عباده الصالحين السائرين على طريقة السلف الصالح ان يوفقنا لطلب العلم وأن يصحح نياتنا وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، وسلّم تسليمًا.
[1] : متفق عليه ، و عند مسلم دون قوله : ” إن كذبا علي ليس ككذب على أحد “
[2] : الترمذي برقم ( 2345 ) و قال : حديث حسن صحيح .
[3]: أخرجه البخاري برقم (2072).
[4] : رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ( 10 / 160 ).
أبو عبد الله القسنطيني
أبو عبد الله القسنطيني
Visits: 224