أخرج أبو داود في “سننه” عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ “نَهَى عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ ، وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ ، وَنَهَى عَنِ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ” .
التحلّق: هو الاجتماع لمذاكرة العلم في المسجد وغيره، ولو على غير هيئة الحلقة. كما كان الصـحابة ـ رضي الله عنهم ـ يجلسون بين يدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى لو بُسط عليهم الرداء الواحد لوسعهم من شدّة تزاحمهم وتقاربهم.
وفي هذا الحديث الصحيح، نص صريح في النهي عن التحلُّق قبل الصلاة يوم الجمعة ـ كما ترى ـ، وبناء عليه فالتحلق للدرس قبل صلاة الجمعة لا يجوز للنهي الصريح ومن احتج فقد ابتدع.
قال الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ في “شرح السنة” (3/374): “وفي الحديث كراهية التحلُّق والاجتماع يوم الجمعة قبل الصلاة لمذاكرة العلم، بل يشتغل بالذكر والصلاة والإنصات للخطبة ثم لا بأس بالاجتماع والتحلُّق بعد الصلاة في المسجد وغيره“.
وقال الشيخ شمس الحق العظيم أبادي ـ رحمه الله ـ في “عون المعبود شرح سنن أبي داود“: ” الحلقة والاجتماع للعلم والمذاكرة: قال الخطابي: إنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة، وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة والذكر فإذا فرغ منها كان الاجتماع والتحلُّق بعد ذلك ” اه
وقد سئل الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ عن حكم الاجتماع للدرس يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة؟
فأجاب: الذي نعتقده وندين الله به أن هذه العادة التي سرت في بعض البلاد العربية وهي: أن ينتصب أحد المدرسين أو الخطباء ليلقي درساً ، أو كلمةً ، أو موعظةً ، قبل أذان الجمعة بنصف ساعة أو ساعة من الزمان. هذا لم يكن من عمل السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ، هذا من جهة؛
ومن جهة أخرى فمن المعلوم لدى علماء المسلمين قاطبة أن هناك أحاديث صحيحة تأمر المسلمين بالتبكير للحضور إلى المسجد الجامع يوم الجمعة كمثل قوله عليه الصلاة والسلام: ” من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة وهكذا حتى ذكر الكبش والدجاجة والبيضة“،
ومما لا شك فيه أن حض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين على التبكير في الرواح يوم الجمعة إلى المسجد الجامع ليس هو لسماع الدرس وإلقائه؛ وإنما هو للتفرغ في هذا اليوم لعبادة الله ـ عز وجل ـ ولذكـره، وتلاوة كتابه، وبخاصة منه سورة الكـهف، والجلوس للصـلاة على النبـي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحقيقاً لقوله في الحديث الصحيح والمروي في السنن وغيرها ألا وهو قوله ـ عليه السلام ـ “أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني” قالوا: كيف ذلك وقد أرمت؟ قال: “إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء“.
وقد ثبت أيضاً في أحاديث كثيرة مرفوعة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما ثبت تطبيق الصحابة لتلك الأحاديث هو أن أحدهم كان يأتي إلى المسجد يوم الجمعة فيصلي ما بدا له إيماناً وتحقيقاً لقوله ـ عليه السلام ـ “من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ثم صلى ما بدا له ـ وفي رواية: ما كتب الله له ـ غفر له ما بينه وبين الجمعة التي تليها” فهذه هي وظائف الجمعة لكل مسلم يأتي يوم الجمعة، فإذا انتصب المدرس يوم الجمعة كما هو مشاهد في بعض البلاد العربية اليوم فهو يصد الناس عن كل هذه العبادات والطاعات بسبب تشويشه على هؤلاء الآتين للمسجد والذين أقل ما يفعله أحدهم أن يصلي ركعتين تحية المسجد يوم الجمعة،
فحينئذ يكون هذا المدرس مشوشاً ومبدّداً للقائمين بمثل هذه الصلاة التي لا بد منها وهما ركعتا تحية المسجد فضلاً عمن أراد أن يتطوع بأكثر من ركعتين كما سبق الإشارة لحديث الرسول ـ عليه السلام ـ في قوله: “ثم صلى ما بدا له ـ أو ـ كتب الله له“.
وقد ثبت عن بعض الصحابة كابن مسعود وغيره بأنهم كانوا يصلون أربعاً، ستاً، وثمانياً، فهؤلاء كيف يصلون إذا أرادوا أن يحيوا هذه السنة التي أماتها الناس، وهناك صوت المدرس يلعلع ويشوش على هؤلاء المتعبدين والمصلين
وقد جاء في الحديث الصحيح قوله ـ عليه السلام ـ “ يا أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة “.
فلا يجوز إذاً لهذا المدرس أن ينتصب للتدريس في هذا المكان الذي خص لعبادة الله ـ عز وجل ـ بشتى أنواع العبادات كما سبق الإشارة إليها، من أجل ذلك جاء في السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “نهى عن التحلُّق يوم الجمعة“.
والنهي هذا معقول المعنى، وسبق ذكره في الكلام السابق لما فيه من التشويش على الذين يحضرون المسجد ويصلون ويذكرون الله ويصلون على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذلك نقول: لا يجوز التدريس يوم الجمعة لأنه لم يكن أولاً في عهد السلف الصالح، ولأنه يشوش على الناس في طاعتهم وعبادتهم، ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن التحلق يوم الجمعة، وهذا ما عندي والله أعلم”.
وحول سؤال عن حكم هذا المدرس هل هو آثم أم لا؟
أجاب الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ: معلوم هذا (أي:إثمه) من حديث: “لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة” أو كما جاء في الحديث بزيادة مهمة جداً: “لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة فتؤذوا المؤمنين“. والإيذاء بلا شك محرم بنص القرآن، والإيذاء هنا بسبب التشويش فلا يصح التدريس.
إن كان أحد يريد أن يدرس فبعد الصلاة حيث يتفرغ الناس لسماع من شاء منهم ومن شاء القضاء، أما أن ينتصب المدرس قبل صلاة الجمعة فيفرض نفسه على الناس فرضاً وفيهم المصلي والتالي والذاكر فهذا هو الإيذاء للمؤمنين فلا يجوز ” اه
إن كان أحد يريد أن يدرس فبعد الصلاة حيث يتفرغ الناس لسماع من شاء منهم ومن شاء القضاء، أما أن ينتصب المدرس قبل صلاة الجمعة فيفرض نفسه على الناس فرضاً وفيهم المصلي والتالي والذاكر فهذا هو الإيذاء للمؤمنين فلا يجوز ” اه
Visits: 293