بسم الله الرحمن الرحيم
من صور ختم القران المحدثة التي انتشرت وسط الناس هذه الأيام خاصة النساء : ما يعرف بمجموعات ختم القران على مواقع التواصل بحيث يقرأ كل شخص جزءاً يكون مسؤولاً عنه، وعندما ينتهي يكتب :” أتممت قراءة الجزء المخصص ” ليبدأ الآخر بالقراءة وتكون المجموعة اشتركت بختمة قرآنية بزعمهم .
ولم يرد مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ولا عن السلف الصالح من بعدهم، بل الصورة المشروعة في القراءة الجماعية : أن يجتمع القارئون في مكان واحد، وأفضله المسجد، فربما قرأ كل منهم لنفسه، أو يقرأ أحدهم ويستمع الآخرون، أو يقرأ كل منهم ما تيسر له، ثم يكمل الثاني من حيث انتهى الأول من دون اعتبارها ختمة بل مدارسة للقرآن
ولا شك أن تلاوة القران من أفضل القرب ومن أجل أنواع الذكر إلا إن فعلها على هذا النحو، والترتيب، والالتزام، يخرجها إلى حد البدعة الإضافية ، حيث أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم، ومن جهة الكيفيات، أو الأحوال، أو التفاصيل، لم يقم عليها، مع أنها محتاجة إليه، لأن الغالب وقوعها في التعبديات، لا في العاديَّات المحضة كما قرر أهل العلم ومنهم الامام الشاطبي في كتابه الاعتصام .
روى الامام الدارمي في سننه بسند جيد أن أبا موسى الأشعري جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنهما فقال له : يا أبا عبد الرحمن: إني رأيت في المسجد، آنفا، أمرًا أنكرته، ولم أرَ، والحمد لله، إلا خيرًا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه! قال: رأيت في المسجد، قومًا حلقًا، جلوسًا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصًا، فيقول: كبروا مائة! فيكبرون مائة. فيقول: هللوا مائة! فيهللون مائة. ويقول: سبحوا مائة! فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا، انتظار رأيك، أو انتظار أمرك. قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى، ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الله! حصًا نعد به التكبير، والتهليل، والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء. ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم، متوافرون، وهذه ثيابه لم تبلَ، وآنيته لم تكسر! والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدي من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. وأيم الله، ما أدري، لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحِلق، يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج ” سنن الدارمي: 1 / 79
فتأمل – رحمك الله – إلى أنَّ التكبير، والتهليل، والتحميد، ذكر مشروع، إلا أنه لما خرج على هذه الكيفية المحدثة، صار من جنس البدع الإضافية ، فالبدعة قد تتطرق إلى العبادة في سببها، أو جنسها، أو قدرها، أو كيفيتها، أو زمانها، أو مكانها. وهذا بخلاف الاجتماع على تلاوة كتاب الله، وتدارسه، فلا شك في مشروعيته، وفضله. فإن لم يتيسر، فكل بحسبه .
وأخيرا أقول : كيف يمكن أن تسمى هذه الصورة المحدثة ختمة والآخرون لم يشاركونه في الاستماع فضلا عن التلاوة فهل يمكن أن يشترك جماعة على قيام الليل مثلا كل واحد منهم يصلي ركعتين ثم يكتب على المجموعة صليت ركعتين الساعة كذا فيكونون بذلك قد قاموا الليل كله؟!! أو أنَّ كل واحد منهم يصوم يوما حتى يتموا الشهر صياما ؟!
سبحانك قد كُفينا فما علينا إلا الأتباع والتمسك بالأمر العتيق .
لقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يسترون طاعتهم كما يسترون عوراتهم
قال الامام الحسن البصري: “إن كان الرجل لقد جمع القران وما يشعر به جاره ، وان كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس ، وان كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعند الزور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على ظهر الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في سر فيكون في علانية أبدا“ اه
قال رجل لتميم الداري رضي الله عنه: “ما صلاتك بالليل ؟ فغضب غضباً شديداً ثم قال: “والله لركعة أصليها في جوف الليل في سرّ أحب إلى من أن أصلي الليل كله، ثم أقصّه على الناس“.
عن سفيان الثوري قال : “أخبرتني مرية الربيع بن خثيم قالت: “كان عمل الربيع كله سراً، إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه “.
والله أعلم والحمد لله رب العالمين .
Visits: 140