خوفه من بسط الدنيا جعله يبكي حتى ترك الطعام

Home / الزهد و الرقائق / خوفه من بسط الدنيا جعله يبكي حتى ترك الطعام
خوفه من بسط الدنيا جعله يبكي حتى ترك الطعام

عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ:

قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ 

وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ، وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي، 
ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ : أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا 
وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.  ” رواه البخاري
 
قال العلامة علي القاري رحمه الله : قوله :” قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ” : قَالَهُ تَوَاضُعًا وَهَضْمًا لِنَفْسِهِ ، أَوْ مِنْ حَيْثِيَّةِ اخْتِيَارِ الْفَقْرِ وَالصَّبْرِ ، وَإِلَّا فَقَدَ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْمُبَشَّرَةَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ  
وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ) : مِنْ جِهَةِ الشَّهَادَةِ فِي رِكَابِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، أَوِ اخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ الْفَقْرَ ، 
وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ مِنْهُمَا قَوْلُهُ : ( ثُمَّ بُسِطَ ) أَيْ : وُسِّعَ وَكُثِّرَ . ( لَنَا ) : أَرَادَ نَفْسَهُ ، وَبَقِيَّةَ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ اتَّسَعَتْ لَهُمُ الدُّنْيَا بِوَاسِطَةِ الْغَنَائِمِ أَوِ التِّجَارَةِ . ( مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قَالَ : أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا ) أي : مِنَ الْمَالِ الْكَثِيرِ . 
وَلَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ ) : بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ . ( حَسَنَاتُنَا ) أَيْ : ثَوَابُهَا . ( عُجِّلَتْ ) أَيْ : أُعْطِيَتْ عَاجِلًا .
 
قَالَ الطِّيبِيُّ : أَيْ : خِفْنَا أَنْ نَدْخُلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ قِيلِ فِيهِ : “ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا اهـ . 
 
أَوْ قَوْلِهِ تَعَالَى:”أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَاكَمَا صَدَرَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ، وَهَذَا لَمَّا كَانَ الْخَوْفُ غَالِبًا عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَمَعْنَى الْآيَةِ الْأُولَى : مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْعَاجِلَةَ وَلَمْ يُرِدْ غَيْرَهَا تَفَضَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مَا نَشَاءُ لَا مَا يَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ لَا لِكُلِّ مَنْ يُرِيدُ ، 
وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ : أَذْهَبْتُمْ مَا كُتِبَ لَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَيْ : أَذْهَبْتُمُوهُ فِي دُنْيَاكُمْ ، فَلَمْ يَبْقَ لَكُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَظِّكُمْ شَيْءٌ مِنْهَا ،
 
وَالْمُرَادُ بِالْحَظِّ الِاسْتِمْتَاعُ بِاللَّهْوِ وَالتَّنَعُّمِ الَّذِي يَشْغَلُ الرَّجُلَ الِالْتِذَاذُ بِهِ عَنِ الدِّينِ وَتَكَالِيفِهِ ، حَتَّى يَعْكُفَ مِنْهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ ، وَلَمْ يَعِشْ إِلَّا لِيَأْكُلَ الطَّيِّبَ ، وَيَلْبَسَ اللَّيِّنَ ، وَيَقْطَعَ أَوْقَاتَهُ بِاللَّهْوِ وَالطَّرَبِ ، وَلَا يَعْبَأُ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ ، وَلَا يَحْمِلُ عَلَى النَّفْسِ مَشَاقَّهَا ، 
وَأَمَّا التَّمَتُّعُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَأَرْزَاقِهِ الَّتِي لَمْ يَخْلُقْهَا إِلَّا لِعِبَادِهِ ، وَيَقْوَى بِهَا عَلَى دِرَاسَةِ الْعِلْمِ وَالْقِيَامِ بِالْعَمَلِ ، وَكَانَ نَاهِضًا بِالشُّكْرِ ، فَهُوَ عَنْ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ . 
ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي ) أَيْ : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ . ( حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ ) أَيْ : مَعَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْخَوْفَ إِذَا غَلَبَ مَنَعَ الْمَيْلَ إِلَى اللَّذَّةِ ، وَذَهَبَتْ عَنْهُ الشَّهْوَةُ بِالْمَرَّةِ  ” اه مرقاة المفاتيح

Visits: 127