فإن وفقه فبفضله ورحمته ، وإن خذله فبعدله وحكمته ، وهو المحمود على هذا وهذا ، له أتم حمد وأكمله ، ولم يمنع العبد شيئا هو له ، وإنما منعه ما هو مجرد فضله وعطائه ، وهو أعلم حيث يضعه وأين يجعله ؟
فمتى شهد العبد هذا المشهد وأعطاه حقه ، علم شدة ضرورته وحاجته إلى التوفيق في كل نفس وكل لحظة وطرفة عين ، وأن إيمانه وتوحيده بيده تعالى ، لو تخلى عنه طرفة عين لثل عرش توحيده ، ولخرت سماء إيمانه على الأرض ، وأن الممسك له هو من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ،
فهجيرى قلبه ودأب لسانه : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك ، ودعواه : يا حي يا قيوم ، يا بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، لا إله إلا أنت ، برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، ولا إلى أحد من خلقك .
ففي هذا المشهد يشهد توفيق الله وخذلانه ، كما يشهد ربوبيته وخلقه ، فيسأله توفيقه مسألة المضطر ، ويعوذ به من خذلانه عياذ الملهوف ، ويلقي نفسه بين يديه ، طريحا ببابه مستسلما له ، ناكس الرأس بين يديه ، خاضعا ذليلا مستكينا ، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ونشورا .
فذهب خواص مماليكه إلى من أمروا بحملهم ، فلم يتركوهم يقرون ، بل حملوهم حملا ، وساقوهم سوقا إلى الملك ، فاجتاح العدو من بقي في المدينة وقتلهم ، وأسر من أسر ).
فهل يعد الملك ظالما لهؤلاء ، أم عادلا فيهم ؟ نعم خص أولئك بإحسانه وعنايته وحرمها من عداهم ، إذ لا يجب عليه التسوية بينهم في فضله وإكرامه ، بل ذلك فضله يؤتيه من يشاء . ” انتهى
Visits: 675