قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم): “وسبب هذا الفضل والله أعلم ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم.
وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع وإما بالعمل الصالح.
والعلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو الحفظ والفهم،
وتمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة،
والعرب هم أفهم من غيرهم وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة ولسانهم أتم الألسنة بياناً وتمييزاً للمعاني جمعاً وفرقاً يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع جمع ثم يميز بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر .
وأما العمل فإن مبناه على الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة،
لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطلة عن فعله .
ليس عندهم علم منزل من السماء، ولا شريعة موروثة عن نبي، ولاهم أيضاً مشتغلون ببعض العلوم العقلية المحضة كالطب والحساب ونحوهما، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب وما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، وما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم أو من الحروب،
فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي ما جعل الله في الأرض ولا يجعل منه أعظم قدراً وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم ومعالجتهم على نقلهم عن تلك العادات الجاهلية والظلمات الكفرية التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتهم،
فلما تلقوا عنه ذلك الهدى العظيم زالت تلك الريون عن قلوبهم، واستنارت بهدى الله الذي أنزل على عبده ورسوله، فأخذوا هذا الهدى العظيم بتلك الفطرة الجيدة
فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم، والكمال الذي أنزل الله إليهم بمنزلة أرض جيدة في نفسها…. إلخ ” اه
Visits: 105