بسم الله الرحمن الرحيم
جاء عند البخاري ومسلم والنسائي (1921) أن النبي –صلى الله عليه وسلم- مرت به جنازة فقام عليه الصلاة والسلام فقيل: إنها من أهل الأرض –يعني الذمّيين– وفي رواية : إنها جنازة يهودي، فقال:”أليست نفساً“.
وقد بوب الامام النسائي على هذا الحديث :” القيام لجنازة أهل الشرك “.
قال العلامة عبد المحسن العباد : “:والمقصود من الترجمة أن القيام الذي كان قد شرع، هو أنه للموت، وعلى هذا فيستوي جنازة المسلم وجنازة الكافر؛ وأن القيام ليس للجنازة نفسها، وإنما القيام هو للموت، ولتعظيم شأن الموت وللفزع منه والتنبه له، وعدم الغفلة عنه، فهذا هو المقصود من القيام، ولهذا جاء القيام في جنازة غير المسلمين ” في شرحه على سنن النسائي
قال العلامة أبو العباس القرطبي رحمه الله : ” والمقصود من هذا الحديث أن لا يستمرَّ الإنسان على غفلته عند رؤية الميت ، فإنه إذا رأى الميت ، ثم تمادى على ما كان عليه من الشغل، كان هذا دليلاً على غفلته، وتساهله بأمر الموت فأمر الشرع أن يترك ما كان عليه من الشغل ويقوم ؛ تعظيمًا لأمر الميت (الموت)، واستشعارًا به “.
وأفضل تفسير للسُّنةِ بالسُّنةِ وقد وردت أحاديث تشير الى علة قيام النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الجنازة :
1- جاء في رواية جابر عند النسائي (1922) قال: قلت يا رسول الله، إنما هي جنازة يهودي، فقال:”إن للموت فزعاً“.
قال العلامة السندي رحمه الله: ” أي فلا ينبغي الاستمرار على الغفلة على رؤية الميت فالقيام لترك الغفلة والتشمير للجد والاجتهاد في الخير وفي بعض النسخ أن الموت فزع أي ذو فزع أو هو من باب المبالغة ومعنى قوله فإذا رأيتم الجنازة فقوموا أي تعظيما لهول الموت وفزعه لا تعظيما للميت فلا يختص القيام بميت دون ميت ” . (“شرح سنن النسائي”/3/ص208).
قال القرطبي رحمه الله: ” وقوله : «إن الموت فزغ»؛ أي : يفزع إليه ومنه ، وهو تنبيه على استذكاره واستعظامه ، وجعله من أهم ما يخطر بالإنسان ” اه
2-وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عند النسائي أيضا (1929) قال –صلى الله عليه وسلم-:”إنما قمنا للملائكة“
وفي مسند الامام أحمد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَمُرُّ بِنَا جَنَازَةُ الْكَافِرِ ، أَفَنَقُومُ لَهَا ؟ َقَالَ : ” نَعَمْ قُومُوا لَهَا ، فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَقُومُونَ لَهَا ، إِنَّمَا تَقُومُونَ إِعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ النُّفُوسَ ” حسنه أحمد شاكر
قَالَ الْحَافِظُ ابن حجر رحمه الله فِي ” الْفَتْحِ “: ” إِنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ هَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ لِأَنَّ الْقِيَامَ لِلْفَزَعِ مِنَ الْمَوْتِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَعْظِيمٌ لِلْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ ” اهـ
فليقف طالب الحق عند هذا وليحذر من اعتقاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام تبجيلًا وتعظيمًا للكافر.
تنبيه : ما يذكره كثيرٌ من الوعاظ على المنابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم بكى لما مرت به جنازة فقيل له إنها ليهودي : فقال : ” أعلم ولكنها نفس تفلتت مني الى النار “….. فلا أصل لهذه الرواية .
انما الذي ثبت في الصحيح عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ : ” أَسْلِمْ ” فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ” .
كما لا يشرع التَرَحُّم على غير أهل القبلة (المسلمين) ، ولا يجوز للمسلم أن يتبع جنازة الكافر؛ لأن تشييع الجنازة من إكرام الميت، والكافر ليس أهلاً للإكرام.
فعن عليّ رضي الله عنه قال: قلت للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن عمك الشيخ الضال قد مات»،
قال: «اذهب فَوَارِ أباكَ، ثم لا تُحْدِثَنَّ شيئاً حتى تأتيَني» فذهبت فواريتُه، وجئتُه، فأمرني فاغتسلتُ ودعا لي.فهذا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لم يحضر جنازة عمه، رغم أنه كان يحميه ويدافع عنه، وأمر ابنه علياً أن يواريه ولما جاء أمره بالاغتسال.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: «لَا يَحْمِلُ الْمُسْلِمُ جَنَازَةَ الْكَافِرِ، وَلَا يَقُومُ عَلَى قَبْرِهِ».
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: «لَا يَحْمِلُ الْمُسْلِمُ جَنَازَةَ الْكَافِرِ، وَلَا يَقُومُ عَلَى قَبْرِهِ».
لكن لا بأس بتعزية الكافر في ميته – دون الترحم عليه – إذا كان في ذلك مصلحة شرعية .
والله أعلم والحمد لله رب العالمين .
Visits: 13317