يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وقد دلّ القرآن على أنّه سبحانه لا يؤيّد الكذّاب عليه، بل لا بُدّ أن يظهر كذبه، وأن ينتقم منه.
فقال تعالى: ” وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل لأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِين فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ؛ ذكر هذا بعد قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُون * وَمَا لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم * وَمَا هُو بِقَولِ شَاعِرٍ * قليلاً ما تُؤْمِنُون * وَلا بِقَولِ كَاهِنٍ * قَليلاً مَا تَذَكَّرُون * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ ، ثمّ قال: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِين * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِين * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ .
هذا بتقدير أن يتقوّل بعض الأقاويل ؛ فكيف بمن يتقوَّل الرِّسَالَة كلها ؟!! …
وقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبَاً فَإِنْ يَشَأ اللهُ يَخْتِم عَلَى قَلْبِكَ ، ثمّ قال : وَيَمْحُ اللهُ البَاطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ .
فقوله: وَيَمْحُ اللهُ البَاطِلَ : عطف جملة على جملة .. ، وليس من جواب الشرط؛ لأنّه قال: وَيُحِقُّ الحَقّ ب الضمّ، وهو معطوف على قوله: وَيَمْحُ اللهُ البَاطِلَ .
فمحوه للباطل، وإحقاقه الحق: خبرٌ منه، لا بُدّ أن يفعله؛ فقد بيَّن أنّه لا بُدّ أن يمحو الباطل، ويحقّ الحقّ بكلماته؛ فإنّه إذا أنزل كلماته، دلّ بها على أنّه نبيّ صادق؛ إذ كانت آية له، وبيّن بها الحق من الباطل…
وهو أيضاً يُحِقّ الحقّ، ويُبطل الباطل بكلماته التي تكون بها الأشياء؛ فيُحِقّ الحقّ بما يظهره من الآيات، وما ينصر به أهل الحقّ، كما تقدّمت كلمته بذلك، كما قال:وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ .
وقال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقَاً وَعَدْلاً ...
فمن عدله: أن يجعل الصادق عليه، المبلغ لرسالته، حيث يصلح من كرامته ونصره، وأن يجعل الكاذب عليه، حيث يليق به من إهانته وذلّه. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ . قال أبو قلابة رحمه الله : هي لكلّ مفترٍ إلى يوم القيامة …
والاستدلال بالحكمة : أن يعرف أولاً حكمته .
ثمّ يعرف : أنّ من حكمته أنّه لا يُسوّي بين الصادق ، بما يظهر به صدقه، وبأن ينصره، ويعزّه، ويجعل له العاقبة، ويجعل له لسان صدقٍ في العالمين.
والكاذب عليه: يُبيّن كذبه، ويخذله، ويذله، ويجعل عاقبته عاقبة سوء، ويجعل له لسان الذمّ واللعنة في العالمين، كما قد وقع.
فهذا هو الواقع، لكن المقصود أن نبيّن أنّ ما وقع منه، فهو واجب الوقوع في حكمته، لا يجوز أن يقع منه ضدّ ذلك. فهذا استدلال ببيان أنه يجب أن يقع منه ما يقع، ويمتنع أن يقع منه ضده، وذلك ببيان أنّه حكيم، وأنّ حكمته توجب أن يُبيّن صدق الأنبياء وينصرهم، ويُبيّن كذب الكاذبين ويذلهم… “اه
Visits: 99