قال العلاّمة ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله:” لا غنًى للعبد عن الذل والانكسار ، والخضوع والافتقار للرب جلّ جلاله.
فيشهد في كل ذَرَّةٍ من ذراته الباطنة والظاهرة ضرورة تامة، وافتقاراً تاماً إلى ربه ووليِّه، ومن بيده صلاحه وفلاحه،وهداه وسعادته.
وهذه الحال التي تحصل لقلبه لا تنال العبارة حقيقتَها، وإنما تُدرَك بالحصول، فيحصل لقلبه كَسْرَة خاصة لايشبهها شيئ ، بحيث يرى نفسه كالإناء المرضوض تحت الأرجل الذي لا شيئ فيه، ولا به ، ولا منه, ولا فيه منفعة، ولا يُرغب في مثله ، وأنه لا يصلح للإنتفاع إلاّ بجبرٍ جديد من صانعه وقيّمه !
فحينئذٍ يستكثر في هذا المشهد ما مَنَّ ربه إليه من الخير، ويرى أنه لا يستحق قليلا منه ولا كثيراً.
فأيّ خير ناله من الله استكثره على نفسه، وعلم أنّ قدره دونه، وأن رحمة ربه هي التي اقتضت ذكره به، وسياقته إليه، واستقلَّ ما من نفسه من الطاعات لربه، ورآها ولو ساوت طاعات الثقلين ، من أقل ما ينبغي لربه عليه، واستكثر قليل معاصيه وذنوبه ؛ فإن الكسرة التي حصلت لقلبه أوجبت له هذا كله.
فما أقرب الجبر من هذا القلب المكسور! وما أدنى النصر والرحمة والرزق منه!. وذرة من هذا ونَفَس منه أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المدلّين المعجبين بأعمالهم و علومهم و أحوالهم.
وأحب القلوب إلى الله سبحانه: قلب قد تمكّنت منه هذه الكسرة، وملكته هذه الذلّة ” اه
Hits: 151