قال تعالى : ” يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ...”
قال القاضي ابن العربي المالكي في تفسيره أحكام القرآن :
– الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : { لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ }
يَعْنِي فِي الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ فَإِنَّهُنَّ وَإِنْ كُنَّ مِنْ الْآدَمِيَّاتِ فَلَسْنَ كَإِحْدَاهُنَّ ، كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَشَرِ جِبِلَّةً ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ فَضِيلَةً وَمَنْزِلَةً ، وَشَرَفُ الْمَنْزِلَةِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَثَرَاتِ ، فَإِنَّ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ ، وَتُرْفَعُ مَنْزِلَتُهُ عَلَى الْمَنَازِلِ جَدِيرٌ بِأَنْ يَرْتَفِعَ فِعْلُهُ عَلَى الْأَفْعَالِ ، وَيَرْبُوَ حَالُهُ عَلَى الْأَحْوَالِ .
– الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } أَمَرَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُنَّ جَزْلًا ، وَكَلَامُهُنَّ فَصْلًا ، وَلَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يُحْدِثُ فِي الْقَلْبِ عَلَاقَةً بِمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ اللِّينِ الْمُطْمِعِ للسَّامع ، وَأَخَذَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُنَّ مَعْرُوفًا ، وَهِيَ :
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَعُودُ إلَى الشَّرْعِ بِمَا أُمِرْنَ فِيهِ بِالتَّبْلِيغِ ، أَوْ بِالْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ لِلْبَشَرِ مِنْهَا .
يَعْنِي اُسْكُنَّ فِيهَا وَلَا تَتَحَرَّكْنَ ، وَلَا تَبْرَحْنَ مِنْهَا ، حَتَّى إنَّهُ رُوِيَ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ لِأَزْوَاجِهِ : “هَذِهِ ; ثُمَّ ظُهُورُ الْحُصْرِ ” ; إشَارَةً إلَى مَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ مِنْ لُزُومِ بَيْتِهَا ، وَالِانْكِفَافِ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ ، إلَّا لِضَرُورَةٍ ” اه
ويقول هذا الامام – ابن العربي الأندلسي الإشبيلي رحمه الله – واصفا عفة نساء بعض مدن فلسطين لما زارها في القرن الخامس هجري : ” وَلَقَدْ دَخَلْتَ نَيِّفًا عَلَى أَلْفِ قَرْيَةٍ مِنْ بَرِيَّةٍ ، فَمَا رَأَيْت نِسَاءً أَصْوَنَ عِيَالًا ، وَلَا أَعَفَّ نِسَاءً مِنْ نِسَاءِ نَابُلُسَ – (الَّتِي رُمِيَ فِيهَا الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالنَّارِ )- ، فَإِنِّي أَقَمْت فِيهَا أَشْهُرًا ، فَمَا رَأَيْت امْرَأَةً فِي طَرِيقٍ ، نَهَارًا ، إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَإِنَّهُنَّ يَخْرُجْنَ إلَيْهَا حَتَّى يَمْتَلِئَ الْمَسْجِدُ مِنْهُنَّ ، فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ ، وَانْقَلَبْنَ إلَى مَنَازِلِهِنَّ لَمْ تَقَعْ عَيْنِي عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمْ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى . وَسَائِرُ الْقُرَى تُرَى نِسَاؤُهَا مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَعُطْلَةٍ ، مُتَفَرِّقَاتٍ فِي كُلِّ فِتْنَةٍ وَعُضْلَةٍ . وَقَدْ رَأَيْت بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَفَائِفَ مَا خَرَجْنَ مِنْ مُعْتَكَفِهِنَّ حَتَّى اسْتَشْهَدْنَ فِيهِ . ” اه
Visits: 112