بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وصلت الحضارات الغربية والشرقية الكافرة إلى قمة انهيارها وفسادها عندما أهدرت قيمة البشر، وحوَّلتهم إلى مجرَّد آلات تعمل، فإذا توقَّفت عن العمل لمرض أو عجز أو شيخوخة فلا سبيل إلى صيانتها، ولكن يجب التخلص منها!
فأصحاب هذه الحضارة المادية يُبيحون القتل ويسهِّلون سُبُلَه، ويقدِّمون الوصفات السحرية للانتحار والتخلص من الحياة لمن يرغب في ذلك.
تعريف قتل الرحمة عند الكفار: هو وضْع حدٍّ لحياة مريض لا يُرجى شفاؤه؛ بقصد تخليصه من آلامه المبرحة.
قد يكون إيجابيًّا؛ كما حدث في عام 1949 حينما قَتَلت فتاة تُدعى كارول – وكانت تبلُغ من العمر وقتها 21 عامًا – والدَها المريض بمرض السرطان أثناء زيارتها له في أحد المُستشفيات لكي تُخلِّصه من آلامه، بأن أطلقت عليه رصاصة من مسدسها استقرت في رأسه فمات، وأخلَت المحكمة سبيلها بعد المُداولة.
وفي عام 1950 لم يجد الطبيب ساندر طريقة لتخليص مريضه من آلامه التي يُعانيها بسبب السرطان إلا بحقنه في الوريد، وقد قرَّر أثناء محاكمته أنه يعلم أنه يُخالف القانون، لكنه لم يرتكب إثمًا من الناحية الأخلاقية؛ لأن الأخلاق في زعمه تجعل له الحق في ذلك، وأخلت المحكمة أيضًا سبيله.
وقد يكون سلبيًّا؛ بالامتناع عن علاج المريض، أو وقف وسائل الإنعاش عنه حتى يَموت، والإسكيمو في كندا كانوا يتركون كبار السن على الجليد حتى يتمكَّنَ منهم البرد القارس فتنتهي حياتهم بالموت.
أما في اليابان فقد كانوا يَقتادون كبار السنِّ إلى ربوة عالية تُسمى ربوة la colline de la mort الموت، ثم امتدَّ ليشمل الأطفال المعاقين، ثم المرضى بمرض عضال.
والمسيو جاك أتالي (مستشار الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران) يقرُّ هذا القتل؛ حيث يقول: “إنني أعتقد أن إطالة العمر لم تعد هدفًا مرغوبًا فيه في منطق مجتمعنا الصناعي، فالماكينة الإنسانية ما دامت تُنتِج فهي تستحق البقاء والصيانة، فإذا تجاوزت عمرها الإنتاجي كانت تكاليف صيانتها خسارة اقتصادية، والتخلص منها لا يكون بتركها تتآكل ولكن بإعدامها مرة واحدة، والإنسان الذي بلغ الستين أو الخامسة والستين وتوقَّفَ عن الإنتاج، يُصبح استمراره في الحياة عبئًا على طائفة المنتجين (مقال أحمد أبو زيد في الوعي الإسلامي، عدد 348 يناير 95).
وأما القس الإنجليزي روجيه باكون فيقول: إن على الأطباء أن يعملوا على إعادة الصحة إلى المرضى وتخفيف آلامهم، ولكن إذا وجدوا أن شفاءهم لا أمل فيه، يَجب عليهم أن يُهيئوا لهم موتًا هادئًا وسهلاً.
وقد تكوَّنت في إنجلترا جمعية باسم “القتل بدافع الرحمة”، طالبت السلطات سنة 1936 بإباحة الإجهاز على المريض الميئوس من شفائه، وتكرَّر الطلب فرُفض، كما تكونت جمعية لهذا الغرض في أمريكا وباء مشروعها بالفشل سنة 1938، وما زالت هذه الدعوى تكسب أنصارًا في هذه البلاد.
أما في شرعنا الحنيف فقد تتابعت النصوص في تقرير ان الانسان لا يحل له قتل نفسه أو نفس غيره بدعوى اراحته أو تخليصه من الامه لان الله تعالى الذي قدر عليه هذا المرض أرحم به من نفسه ومن أمه وأبيه قال تعالى : “ولا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ” .
وقد جاء في الأثر : إن المبتلى إذا دُعيَ له : اللهم ارحمه ، يقول الله سبحانه: كيف أرحمه من شيء به أرحمه !
بل أمر الشارع بالصبر وحث على الرضى بما أصاب الانسان من مرض أوغيره فان في الصبر على المصائب تهذيب للنفس، وتصفية لها من الشر الذي فيها: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ[الشورى:30]، فإذا أصيب العبد فلا يقل: من أين هذا، ولا من أين أتيت؟ فما أصيب إلا بذنب، وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا.
أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي قال: { ما يصيب المؤمن من وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه }، وقال : { ولا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة }، فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن أو المرض، وفي هذا بشارة فإن مرارة ساعة وهي الدنيا أفضل من احتمال مرارة الأبد.
يقول بعض السلف: ” لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس “.
ثم ان الإنسان لا يملك جسده؛ لكنه ملك لخالقه، وعليه أن يعيد الجسد بالحالة التي تلقاها عليها، فهو كالمودَع لدَيه ملتزِم بردِّ الوديعة.
ولذا لم يُجِز الرسول قتل المصابين في الحروب؛ ففي كل الغزوات كان هناك مصابون من الصحابة بإصابات قاتلة، وكانوا يُعانون من آلام مبرحة، ومع ذلك لم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل هؤلاء ليُخلِّصهم من آلامهم، ولم يُبادر أحد من الصحابة إلى هذه الفعلة الشَّنعاء بالمصابين.
قال صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمَن قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينًا فحزَّ بها يده فما رقأ الدم حتى مات [ظل الدم يَنزِف منه حتى مات] قال الله – عز وجل -: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة))؛ البخاري ومسلم،
والحديث معروف في تحريم الانتحار عامة، فالمُنتحِر يعذَّب في النار بالصورة التي انتحر بها، وهو عاصٍ بفعله، فإن عاش بعد محاولته قتل نفسه فتاب، صحَّت توبته، والجمهور على أن قاتل نفسه يُغسَّل ويُصلَّى عليه، وقد استحبَّ قوم للإمام ألا يُصلي عليه، بل يُصلي عليه غيره من الناس، ويُدفَن في مقابر المسلمين؛ لأن فعله لم يُخرجه من الملَّة، ولم يقل أحد من علماء المذاهب الأربعة بكفره، والله أعلم.
وفي رواية للبخاري ومسلم أيضًا: “إن رجلاً مسلمًا قاتل في خيبر قتالاً شديدًا فلمَّا أُخبِر به الرسول قال: ((إنه من أهل النار))، فعجب الصحابة لذلك ثم عرفوا أنه كان به جرح شديد فلم يصبر عليه، فوضَع نصل سيفه بالأرض وجعل ذبابه (أي طرفه) بين ثدييه ثم تحامل على نفسه حتى مات“.
قال البهوتي في (كشاف القناع 5 /495) قال :“ ولا يجوز قتل البهيمة ولا ذبحها للإراحة؛ لأنها ما دامت حية، وذبحها إتلاف لها، وقد نهي عن إتلاف المال كالآدمي المتألم بالأمراض الصعبة، أو المصلوب بنحو حديد؛ لأنه معصوم ما دام حياً “ . انتهى .
Visits: 21