فضل السجود ومعنى – طول القنوت

Home / الفقه / فضل السجود ومعنى – طول القنوت
فضل السجود ومعنى – طول القنوت
عن جابر رضي الله عنه – قال: سُئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم -: أي الصلاة أفضل؟ قال: ” طول القنوت” متفق عليه.

قال الامام ابن تيمية رحمه الله:”وَظَنُّوا أَنَّ الْمُرَادَ بِطُولِ الْقُنُوتِ طُولَ الْقِيَامِ وَإِنْ كَانَ مَعَ تَخْفِيفِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

فَإِنَّ الْقُنُوتَ هُوَ دَوَامُ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ وَيُقَالُ لِمَنْ أَطَالَ السُّجُودَ : إنَّهُ قَانِتٌ . قَالَ تَعَالَى : “ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ”  فَجَعَلَهُ قَانِتًا فِي حَالِ السُّجُودِ كَمَا هُوَ قَانِتٌ فِي حَالِ الْقِيَامِ وَقَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الْقِيَامِ .
وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى قَالَ : ” وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ” وَلَمْ يَقُلْ قُنُوتًا فَالْقِيَامُ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْقِيَامِ لَا بِلَفْظِ الْقُنُوتِ . 

وَقَالَ تَعَالَى : ” وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ”  فَالْقَائِمُ قَدْ يَكُونُ قَانِتًا وَقَدْ لَا يَكُونُ وَكَذَلِكَ السَّاجِدُ . 
فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ أَنَّ طُولَ الْقُنُوتِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْقُنُوتَ فِي حَالِ السُّجُودِ وَحَالِ الْقِيَامِ . 
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَأَنَّ تَطْوِيلَ الصَّلَاةِ قِيَامًا وَرُكُوعًا وَسُجُودًا أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهَا قِيَامًا وَرُكُوعًا وَسُجُودًا لِأَنَّ طُولَ الْقُنُوتِ يَحْصُلُ بِتَطْوِيلِهَا لَا بِتَكْثِيرِهَاوَأَمَّا تَفْضِيلُ طُولِ الْقِيَامِ مَعَ تَخْفِيفِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى تَكْثِيرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَغَلَطٌ . 
فَإِنَّ جِنْسَ السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْقِيَامِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ : 
أَحَدُهَا : أَنَّ السُّجُودَ بِنَفْسِهِ عِبَادَةٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُفْعَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالْقِيَامُ لَا يَكُونُ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَقُومُ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُ وَلَا يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ . 

الثَّانِي : أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ السُّجُودِ وَكَذَلِكَ كُلُّ صَلَاةٍ فِيهَا رُكُوعٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ سُجُودٍ لَا يَسْقُطُ السُّجُودُ فِيهَا بِحَالِ مِنْ الْأَحْوَالِ فَهُوَ عِمَادُ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْقِيَامُ فَيَسْقُطُ فِي التَّطَوُّعِ دَائِمًا وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ الْقِيَامُ فِي الْفَرْضِ عَنْ الْمَرِيضِ وَكَذَلِكَ الْمَأْمُومُ إذَا صَلَّى إمَامُهُ جَالِسًا . كَمَا  جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ .   

الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا صَارَ عِبَادَةً بِالْقِرَاءَةِ أَوْ بِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ كَالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ فَأَمَّا الْقِيَامُ الْمُجَرَّدُ فَلَمْ يُشْرَعْ قَطُّ عِبَادَةً مَعَ إمْكَانِ الذِّكْرِ فِيهِ . 
بِخِلَافِ السُّجُودِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ بِنَفْسِهِ عِبَادَةً حَتَّى خَارِجَ الصَّلَاةِ شَرَعَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . 
 
 الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنْ يُقَالَ الْقِيَامُ يَمْتَازُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ قَدْ نُهِيَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْبِيحِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَمَيَّزَ الْقِيَامُ .  لَكِنْ يُقَالُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ تَسْقُطُ فِي مَوَاضِعَ وَتَسْقُطُ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْقِرَاءَةُ وَالْقِيَامُ أَيْضًا . كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ . وَأَمَّا السُّجُودُ فَلَا يَسْقُطُ بِحَالِ فَعُلِمَ أَنَّ السُّجُودَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ كَمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ
 
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مِنْ ابْنِ آدَمَ كُلَّ شَيْءِ إلَّا مَوْضِعَ السُّجُودِ } فَتَأْكُلُ الْقَدَمَ وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ الْقِيَامِ .

 الْوَجْهُ السَّادِسُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ” يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ” “خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ” وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ : أَنَّهُ إذَا تَجَلَّى لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَجَدَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَمَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً يَصِيرُ ظَهْرُهُ مِثْلَ الطَّبَقِ ” .
فَقَدْ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ . فَعُلِمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ .

الْوَجْهُ السَّابِعُ : أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ : أَنَّ الرَّسُولَ إذَا طَلَبَ مِنْهُ النَّاسُ الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : “ فَأَذْهَبُ فَإِذَا رَأَيْت رَبِّي خَرَرْت لَهُ سَاجِدًا وَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيَّ لَا أُحْسِنُهَا الْآنَ ” فَهُوَ إذَا رَآهُ سَجَدَ وَحَمِدَ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَهُ : { أَيْ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ } . فَعُلِمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ” كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ” وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ” أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ” وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ فِي حَالِ السُّجُودِ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي فَضِيلَةِ السُّجُودِ عَلَى غَيْرِهِ . وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ” .

 
الْوَجْهُ التَّاسِعُ : مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ معدان بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ : لَقِيت ثوبان مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : أَخْبِرْنِي بِعَمَلِ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ : بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْته الثَّانِيَةَ فَقَالَ : سَأَلْت عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : “عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّك لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَك اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْك بِهَا خَطِيئَةً ” قَالَ معدان : ثُمَّ لَقِيت أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْته فَقَالَ لِي مِثْلَمَا قَالَ لِي ثوبان 
فَإِنْ كَانَ سَأَلَهُ عَنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ السُّجُودَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ سَأَلَهُ عَمَّا يُدْخِلُهُ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ فَقَدْ دَلَّهُ عَلَى السُّجُودِ دُونَ الْقِيَامِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ . 

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى أَنَّ كَثْرَةَ السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِهِ لِقَوْلِهِ : { فَإِنَّك لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَك اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْك بِهَا خَطِيئَةً وَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ كُلَّ سَجْدَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا ذَلِكَ لَكِنَّ السَّجْدَةَ أَنْوَاعٌ . فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى السَّجْدَتَيْنِ أَفْضَلَ مِنْ الْأُخْرَى كَانَ مَا يَرْفَعُ بِهِ مِنْ الدَّرَجَةِ أَعْظَمَ وَمَا يَحُطُّ بِهِ عَنْهُ مِنْ الْخَطَايَا أَعْظَمَ كَمَا أَنَّالسَّجْدَةَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا أَعْظَمَ خُشُوعًا وَحُضُورًا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا فَكَذَلِكَ السَّجْدَةُ الطَّوِيلَةُ الَّتِي قَنَتَ فِيهَا لِرَبِّهِ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَصِيرَةِ . 

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ : مَا رَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : كُنْت أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي : سَلْ فَقُلْت : أَسْأَلُك مُرَافَقَتك فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ :  أَوَغَيْرُ ذَلِكَ ؟  فَقُلْت : هُوَ ذَاكَ قَالَ : “ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ”  . فَهَذَا قَدْ سَأَلَ عَنْ مَرْتَبَةٍ عَلِيَّةٍ وَإِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ كَثْرَةَ السُّجُودِ . وَهَذَا أَدَلُّ عَلَى أَنَّ كَثْرَةِ السُّجُودِ [ أَفْضَلُ ] لَكِنْ يُقَالُ الْمُكْثِرُ مِنْ السُّجُودِ قَدْ يُكْثِرُ مِنْ سُجُودٍ طَوِيلٍ وَقَدْ يُكْثِرُ مِنْ سُجُودٍ قَصِيرٍ وَذَاكَ أَفْضَلُ (أي الطويل ) .

 
فَهَذِهِ الْوُجُوهُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ جِنْسَ السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ الْقِيَامِ لَكَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ ; لَكِنْ هَذَا يَشُقُّ مَشَقَّةً عَظِيمَةً فَلِهَذَا خُفِّفَ السُّجُودُ عَنْ الْقِيَامِ مَعَ أَنَّ السُّنَّةَ تَطْوِيلُهُ إذَا طَوَّلَ الْقِيَامَ كَمَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي ” اه مجموع الفتاوى 

Visits: 2704