عن علي رضي الله عنه قال: ” لا يَرجُوَنّ عبد إلا ربه، ولا يخافَنّ إلا ذنبه ” .
وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية عن معنى هذه العبارة، فكان مما قاله – رحمه الله -: هذا من أحسن الكلام وأبلغه وأتمه، فإن الرجاء يكون للخير، والخوف يكون من الشر، والعبد إنما يصيبه الشر بذنوبه، كما قال – تعالى -: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مٌّصِيبَةٍ, فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ,) [الشورى: 30]، وقال – تعالى -: (فَأخَذنَاهُم بِالبَاًسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ فَلَولا إذ جَاءَهُم بَاًسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام: 42، 43] أي: فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا، فحقهم عند مجيء البأس: التضرع.
قال عمر بن عبد العزيز: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، ولهذا قال – تعالى -: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إيمَاناً) إلى أن قال – تعالى -: (إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيطَانُ يُخَوِّفُ أَولِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُم وَخَافُونِ إن كُنتُم مٌّؤمِنِينَ) [آل عمران: 173- 175] فنهى المؤمنين عن خوف أولياء الشيطان وأمرهم بخوفه، وخوفه يوجب فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، والاستغفار من الذنوب، وحينئذ يندفع البلاء، ويُنتصر على الأعداء،
فلهذا قال علي – رضي الله عنه -: لا يَخَاَفَنّ عبد إلا ذنبه، وإن سلط عليه مخلوق، فما سلط عليه إلا بذنوبه فليخف الله، وليتب من ذنوبه التي ناله بها ما ناله.
وأما قوله: لا يَرجُونّ عبد إلا ربه، فإن الراجي يطلب حصول الخير ودفع الشر، ولا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يذهب السيئات إلا الله، (وَإن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرٍ,ّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وَإن يَمسَسكَ بِخَيرٍ, فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ) [الأنعام: 17] والرجاء مقرون بالتوكل، فإن المتوكل يطلب ما رجاه من حصول المنفعة ودفع المضرة، والتوكل لا يجوز إلا على الله،
كما قال تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إن كُنتُم مٌّؤمِنِينَ) [المائدة: 23] فكل خير ونعمة تنال العبد فإنما هي من الله، فالرجاء يجب أن يكون كله للرب، والتوكل عليه، والدعاء له، فإنه إن شاء ذلك ويسره: كان وتيسر – ولو لم يشأ الناس ” اه
Visits: 930