بسم الله الرحمن الرحيم
ينبغي أن يُعلم أن معرفة التلازم بين الظاهر والباطن وفهمه والقول بموجبه ، هو ما يميّز السنيّ من المُرجيء ، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ، وبيَن أن المرجئة يرون العمل ثمرة ، لا لازما .
قال ابن تيمية عندما تكلم على وجوه غلط المرجئة في الإيمان: ” الثالث : ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له ; والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر ; ولهذا صاروا يقدرون مسائل يمتنع وقوعها لعدم تحقق الارتباط الذي بين البدن والقلب مثل أن يقولوا : رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر وهو لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ويزني بأمه وأخته ويشرب الخمر نهار رمضان ; يقولون : هذا مؤمن تام الإيمان فيبقى سائر المؤمنين ينكرون ذلك غاية الإنكار . ” أ . هـ الفتاوى ج 7 ص 204
فتأمل قول شيخ الإسلام : (( ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له)) . فهذا فرقان ما بين المرجئة والسنة .
وقال شيخ الإسلام في بيان هذا التلازم : ” وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه ودليله ومعلوله كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضا تأثير فيما فى القلب فكل منهما يؤثر فى الآخر لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له والفرع يستمد من أصله والأصل يثبت ويقوى بفرعه “. مجموع الفتاوى ( 7 / 541)
وإن قوله صلى الله عليه وسلم:” إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.” رواه مسلم يدل دلالة واضحة على أن التمسك بالهدي الظاهر (كاعفاء اللحية وعدم اسبال الازار وغيرها من الاعمال ) مما ينظر الله إليه ويثيب عليه لأنه من الأعمال المطلوبة، إما على الوجوب أو الاستحباب. بخلاف ما يَتَخَرّص به أصحاب الاهواء حيث يجعلون الهدي الظاهر بجهلهم وقلة فهمهم من الصور التي لا ينظر الله اليها ويلبسون بذلك على الناس فيضلونهم سبيل الرشاد : قال تعالى : “ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ” .
لماذا أُمِرَ المسلم بمخالفة الكفار في الهدي الظاهر؟
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم :
“قد بعث الله محمداً – صلى الله عليه وسلم – بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم، والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور منها:
1 – أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة ـ مثلاً ـ يجد من نفسه نوع تخلُّق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضياً لذلك، إلا أن يمنعه مانع.
2 – أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال والانعطاف على أهل الهدى، والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين.
* وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين، أشد.
3 – أن مشاركتهم في الهدي الظاهر، توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهراً، بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.
* هذا، إذا لم يكن ذلك الهدى الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شُعبة من شُعَب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم. فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له. ” اه
والحمد لله رب العالمين .
Visits: 463