أجمع المفسرون هنا على أن الخيانة ليست زوجية ولكنها خيانة دينية بعدم إسلامهن وإخبار أقوامهن بمن يؤمن مع أزواجهن
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “ لَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ “
والمراد بالخيانة في هذا الحديث ليست الخيانة في الفراش إنما عدم النصح فيما ابتلي به آدم من تزيين الشيطان للأكل من الشجرة التي نهي عنها بل حسنت ذلك لآدم والله أعلم
قال القاضي عياض:” وقوله: ( وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا )؛ يعنى أنها أمّهن ، فأشبهنها بالولادة ونزع العرق، لما جرى لها في قصة الشجرة مع إبليس، وأن إبليس إنما بدأ بحواء فأغواها وزين لها، حتى جعلها تأكل من الشجرة، ثم أتت آدم فقالت له مثل ذلك حتى أكل أيضاً هو ” انتهى من “اكمال المعلم” (4 / 682).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :” وقوله ( لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا ): فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة ، حتى وقع في ذلك، فمعنى خيانتها : أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم ، أشبهنها بالولادة ، ونزع العرق ؛ فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها ، بالفعل أو بالقول.
وليس المراد بالخيانة هنا : ارتكاب الفواحش ، حاشا وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس ، من أكل الشجرة ، وحسنت ذلك لآدم : عُد ذلك خيانة له . وأما من جاء بعدها من النساء : فخيانة كل واحدة منهن ، بحسبها.
وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم ، بما وقع من أمهن الكبرى، وأن ذلك من طبعهن ، فلا يُفْرِط في لوم من وقع منها شيء ، من غير قصد إليه ، أو على سبيل الندور .
وينبغي لهن أن لا يتمسكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن، والله المستعان ” انتهى من “فتح الباري” (6 / 368).
وكذلك أيضا يُقال للرجل الذي لا يقوم بنصح أهله وأولاده ويُفَرِّط في تربيتهم وإرشادهم إلى طريق النجاة أنه غاشٌ لمن استرعاه الله جل وعلا عليه ، وخائنٌ لما ائتُمِنَ عليه .
فعن أَبي يَعْلى مَعْقِل بن يَسَارٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “مَا مِن عبدٍ يسترعِيهِ اللَّه رعيَّةً، يَمُوتُ يومَ يَموتُ وهُوَ غَاشٌ لِرَعِيَّتِهِ، إلاَّ حَرَّمَ اللَّه علَيهِ الجَنَّةَ” متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: “فَلَم يَحُطهَا بِنُصْحهِ لَمْ يجِد رَائحَةَ الجَنَّة” .
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله :” قوله صلى الله عليه وسلم ” مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللّهُ رَعِيَّةً“ الحديث هو لفظ عام في كل من كُلِّف حفظ غيره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، وهذا الرجل في أهل بيته والولد والعبد،
والرعاية: الحفظ والصيانة، والغش ضد النصيحة، وحاصله راجع إلى الزجر عن أن يُضيَّع ما أُمر بحفظه، وأن يقصِّر في ذلك مع التمكن من فعل ما يتعين عليه“ [المفهم (1/ 353 – 354)].
قال القاضي عياض: معناه بيِّن في التحذير من غش المسلمين، لمن قلّده الله تعالى شيئاً من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصّبه لمصلحتهم، في دينهم أو دنياهم، فإذا خان فيما أُؤتمن عليه، فلم ينصح فيما قلده، إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به، وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم، والذب عنها لكل متعد لإدخال داخلة فيها، أو تحريف لمعانيها، أو إهمال حدودهم أ أو تضييع حقوقهم، أو ترك حماية حوزتهم، ومجاهدة عدوهم، أو ترك سيرة العدل فيهم، فقد غشهم. وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على أن ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة عن الجنة “اه
والحمد لله رب العالمين .
Visits: 390