بسم الله الرحمن الرحيم
اذا تغير الماء بذلك تغيراً يسيراً ، فلا يضره ذلك ، ويدل على هذا حديث أُمِّ هَانِئٍ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ هُوَ وَمَيْمُونَةُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فِي قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ ” . رواه النسائي (240) ، وصححه النووي في ” خلاصة الأحكام ” (1/67) ، والألباني في ” الإرواء ” (27) .( أثر الْعَجِين ) : هُوَ الدَّقِيق المعجون .
قَالَ الطِّيبِيُّ: ” الظَّاهِرُ أَنَّ أَثَرَ الْعَجِينِ فِي تِلْكَ الْقَصْعَةِ لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا ” .انتهى من ” مرقاة المفاتيح ” (2/457).
قال النووي : ” وإن كان يسيرا ، بأن وقع فيه قليل زعفران فاصفرَّ قليلاً ، أو صابون أو دقيق فابيض قليلاً ، بحيث لا يضاف إليه ، فالصحيح أنه طهور ؛ لبقاء الاسم ” .انتهى من ” المجموع شرح المهذب ” (1/103) .
وقال الإمام أحمد : ” إذا لم يُنسب الماء إليه ، فيقال : ماء كذا ، فلا بأس به ” انتهى من ” الانتصار في المسائل الكبار”
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” أما مسألة تغير الماء اليسير أو الكثير بالطاهرات : كالأشنان والصابون والسدر والخطمي والتراب والعجين وغير ذلك مما قد يغير الماء مثل الإناء إذا كان فيه أثر سدر أو خطمي ووضع فيه ماء فتغير به، مع بقاء اسم الماء: فهذا فيه قولان معروفان للعلماء:
أحدهما: أنه لا يجوز التطهير به، كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه..
والقول الثاني: أنه لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ، ولا بما يشق الاحتراز عنه ؛ ولا بما لا يشق الاحتراز عنه ؛ فما دام يسمى ماء ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهورا ، كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه ، وهي التي نص عليها في أكثر أجوبته .
وهذا القول هو الصواب، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ). وَقَوْلُهُ: ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، فَيَعُمُّ كُلَّ مَا هُوَ مَاءٌ ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (21/24) .
ثم قال : ” وَأَيْضًا : فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَمَرَ بِغَسْلِ الْمُحْرِم بِمَاءِ وَسِدْرٍ) ( وَأَمَرَ بِغَسْلِ ابْنَتِهِ بِمَاءِ وَسِدْرٍ) (وَأَمَرَ الَّذِي أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءِ وَسِدْرٍ) وَمِنْ الْمَعْلُومِ : أَنَّ السِّدْرَ لَا بُدَّ أَنْ يُغَيِّرَ الْمَاءَ ، فَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ يُفْسِدُ الْمَاءَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ ” انتهى من ” مجموع الفتاوى” (21/ 26) .
قال ابن حزم : ” وَكُلُّ مَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ مُبَاحٌ فَظَهَرَ فِيهِ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَطَعْمُهُ ، إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ, فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ ، وَالْغُسْلُ بِهِ لِلْجَنَابَةِ جَائِزٌ… سَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ مِسْكًا ، أَوْ عَسَلاً ، أَوْ زَعْفَرَانًا ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ” انتهى من ” المحلى ” (1/200) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : في بلادنا كثيراً ما تختلط مياه الشرب بمادة الكلور المطهرة، وهي مادة تغير لون وطعم الماء، فهل يؤثر هذا على تطهيره للمتوضئ؟
فأجاب: ” تغير الماء بالطاهرات وبالأدوية التي توضع فيه لمنع ما قد يضر الناس، مع بقاء اسم الماء على حاله، فإن هذا لا يضر، ولو حصل بعض التغير بذلك، كما لو تغير بالطحلب الذي ينبت فيه، وبأوراق الشجر، وبالتراب الذي يعتريه، وما أشبه ذلك ، كل هذا لا يضره ، فهو طهور باق على حاله ، لا يضره إلا إذا تغير بشيء يخرجه من اسم الماء، حتى يجعله شيئا آخر، كاللبن إذا جعل على الماء حتى غيره وصار لبنا، أو صار شايا، أو صار مرقاً خارجاً عن اسم الماء، فهذا لا يصح الوضوء به؛ لكونه خرج عن اسم الماء إلى اسم آخر .
أما ما دام اسم الماء باقياً ، وإنما وقع فيه شيء من الطاهرات ؛ كالتراب، والتبن، أو غير ذلك مما لا يسلبه اسم الماء فهذا لا يضره، أما النجاسات، فإنها تفسده إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه، أو كان قليلا يتأثر بالنجاسة، وإن لم تظهر فيه ، فإنه يفسد بذلك، ولا يجوز استعماله” انتهى من “مجموع الفتاوى” (10/19).
أما ما دام اسم الماء باقياً ، وإنما وقع فيه شيء من الطاهرات ؛ كالتراب، والتبن، أو غير ذلك مما لا يسلبه اسم الماء فهذا لا يضره، أما النجاسات، فإنها تفسده إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه، أو كان قليلا يتأثر بالنجاسة، وإن لم تظهر فيه ، فإنه يفسد بذلك، ولا يجوز استعماله” انتهى من “مجموع الفتاوى” (10/19).
أما إذا اختلط الماء الطهور بشيء من الطاهرات ، فغيَّره تغيراً يُخرجه عن اسم الماء ، فهذا لا يصح التطهر به قولا واحداً ، كما لو وضع شاياً في الماء ، فغير لونه وطعمه ، بحيث صار لا يقال له : ماء وإنما : شاي ، وكذلك لو طبخ لحماً في الماء ، فهذا الماء قد تغير وصار مرقاً فلا يجوز الوضوء به .
قال ابن قدامة : ” مَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ اسْمَهُ ، وَغَلَبَ عَلَى أَجْزَائِهِ ، حَتَّى صَارَ صِبْغًا ، أَوْ حِبْرًا ، أَوْ خَلًّا ، أَوْ مَرَقًا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ، ومَا طُبِخَ فِيهِ طَاهِرٌ فَتَغَيَّرَ بِهِ ، كَمَاءِ الْبَاقِلَّا الْمَغْلِيِّ ، فَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهَا ، وَلَا الْغُسْلُ ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ” .انتهى من ” المغني ” (1/20)
وقال الإمام أحمد : ” لا تتوضأ بكلِّ شيءٍ زال عنه اسم الماء ” .
والحمد لله رب العالمين
Hits: 499