بسم الله الرحمن الرحيم
روى أبو نعيم في الحلية وسعيد بن منصور في سننه من حديث جبير بن نفير -التابعي الجليل – قال: لما فُتحت مدائن قبرص وقَع الناس يقتسمون السْبي، وفرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، ورأيتُ أبا الدرداء تنحَّى وحده جالسًا، واحتَبى بحمائل سيفه فجعل يبكي،
فأتاه جبير بن نفير فقال: “يا أبا الدرداء! أتبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذلَّ فيه الكفر وأهله؟! ” فضرب على منكبَيه، ثم قال: ويحك يا جبير! – وفي رواية: ” ثكلتْك أمك يا جُبير بن نفير! – ما أهون الخَلق على الله إذا هم ترَكوا أمره، بينا هي أمة قاهرة قادرة ظاهرة على الناس، لهم المُلك، حتى تركوا أمر الله – عز وجل؛ فصاروا إلى ما ترى، وإنه إذا سلط السباء على قوم؛ فقد خرَجوا مِن عَين الله، ليس لله بهم حاجة ” سنده صحيح
إن الإعراض والتفريط في أمر الله – عز وجل – كان ولا يزال سببًا في توالي المِحَن، وتَداعي الفِتَن، ووقوع الذل والانتكاسة والنكبة التي من أعظم أسبابها تنكب الصراط المستقيم وترك الأوامر الشرعية واقتراف المعاصي بأصنافها ، قال تعالى : ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ“
قال الامام ابن جرير الطبري : ” وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) أي : إنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترحتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ، ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم، فلا يعاقبكم بها.” اه
فهذا أمر عظيم، وخطر جسيم ينبغي ألا يُستهان به، فكم أهلك من أمم، وكم دمر من شعوب؟! ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ وأعظم الظلم الشرك والالحاد ثم البدع والمحدثات في الدين ، ثم المعاصي الشهوانيّة ……
ولذلك هذا يستدعي اليقَظة والحذر، والعمل بجد لوضع اليد عليه للتخلُّص منه، وهذه بحق – أعني: وضع اليد على هذا الداء – هي أول الخطوات الصحيحة للسير على الطريقة السديدة.
يقول ابن القيم رحمه الله: “وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد؛ كما قال الله تعالى:﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾، وإن عظَّمهم الناس في الظاهر؛ لحاجتهم إليهم، أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه“
ولذا يقال لدعاة القوميَّة وعشاق الديمقراطيَّة ومدَّعي الوطنيَّة : “ما أُتِيَت أُمَّة قطُّ إلا مِن قِبَل تركها وإعراضها وتفريطها في أوامر الله – عز وجل – إن كنتم تعقلون ” .
تجوبون الشوارع تطبيلا وتزميرا مختلطين ذكورا وإناثا كأهل الجاهلية الأولى ، والصلاة قائمة لا تلقون لها بالا ، فأنى تنصرون ؟!!.
الى متى هذه القسوة من ذكر الله ،قال تعالى :” فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، أولئك في ضلال مبين” ، عالجوها عند الأطباء المتخصصين -عند علماء السنة الراسخين – قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا حزب ولا كرسي ولا مسيرة ولا مظاهرة : “الا من أتى الله بقلب سليم ” .
قال الامام سعيد ابن المسيب: (القلب السليم): هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن؛ لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قال تعالى في وصف المنافقين: {في قلوبهم مرض} (البقرة:10).
وقال الامام أبو عثمان النيسابوري: (القلب السليم) هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن إلى السنة.
وقد نسمع من بعض الناس يقولون: “إن قلبي نظيف؛ لأنني أحب الناس كثيراً، وأسعى إلى مساعدتهم“، وهذا عند التحقيق والتدقيق كلام لا معنى له؛ ذلك أن القلب الذي سكنه الإلحاد أو الإحداث في الدين، وعشعش فيه أنى يكون قلباً سالماً وسليماً ؟ .
لأنه يلزم من سلامة القلب من الشرك والبدعة والمعصية…اتصافه بأضدادها، من الإخلاص والسنة والطاعة ، وأن تكون إرادته ومحبته تابعة لمحبة الله سبحانه، وهواه تابعاً لما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام .
والحمد لله رب العالمين .
Visits: 2315