ما حكم إخفاء النعمة خوفا من الحسد والعين

Home / التفسير / ما حكم إخفاء النعمة خوفا من الحسد والعين
ما حكم إخفاء النعمة خوفا من الحسد والعين
بسم الله الرحمن الرحيم 
 
الأصل أن يتحدث المسلم بما أنعم الله تعالى به عليه على سبيل الشكر والامتثال لا على سبيل الفخر والخيلاء , كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: ” وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ “ {الضُّحى:11}  والأمر وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه عام لجميع أمته كما هو مقرر في الأصول.
إلا إذا كان المسلم يخشى من العين أو الحسد فله أن يخفي النعمة ما دام يخاف على ما أنعم الله به عليه فالعين حق ولها تأثير، كما قال عليه الصلاة السلام في صحيح مسلم : ” العين حق……” الحديث   وقال تعالى: ” وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ “{الفلق:5}  .
والدليل على جواز إخفاء النعمة خوفا من الحسد والعين قول الله تعالى حكاية عن نبي الله يعقوبعليه السلام: “قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ”  وعلى هذا، فلا مانع شرعا من إخفاء النعمة إذا كان صاحبها يخشى من الحسد وغيره.
 
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
” إذا كان الإنسان يلبس أبناءه ملابس رثة وبالية خوفاً من العين، فهل هذا جائز؟
– الظاهر أنه لا بأس به، لأنه لم يفعل شيئاً، وإنما ترك شيئاً، وهو التحسين والتجميل،
وقد ذكر ابن القيم في “زاد المعاد” : أن عثمان رأى صبياً مليحاً، فقالدسموا نونته، والنونة: هي التي تخرج في الوجه عندما يضحك الصبي كالنقوة، ومعنى دسموا، أي: سودوا.
والله أعلم أن هذا ليس من الشرك لأن هذا من الأخذ بالأسباب مع الاعتقاد أن الذي يدفع السوء والبلاء هو الله فإن النفوس جرت بها العادة أنها لا تتعلق بالشيء المعيب ألا ترى إلى قول الله تعالى :{ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يؤخذ كل سفينا غصبا}
وكذلك في قول يعقوب لبنيه: ” يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة “

 فهذه من الأسباب الشرعية التي يقرها الشرع مع اعتقاد أن الله دافع السوء والبلاء ” اه
 
وقد قال يعقوب عليه السلام ذلك الكلام في المرة الثانية لذهابهم إلى مصر، بعد أن علم بحسن استقبال يوسف لهم، وأن بضاعتهم ردت إليهم، وعلم بذلك أنهم صاروا أصحاب حظوة عند عزيز مصر.
قال العلامة ابن الجوزي في تفسيره “زاد المسير”[ ص: 254 ]  : 

قوله تعالى : ” لا تدخلوا من باب واحد ” قال المفسرون : لما تجهزوا للرحيل ، قال لهم يعقوب : ” لا تدخلوا ” يعني مصر ” من باب واحد ” .

وفي المراد بهذا الباب قولان : 
أحدهما : أنه أراد بابا من أبواب مصر ، وكان لمصر أربعة أبواب ، قاله الجمهور . 
والثاني : أنه أراد الطرق لا الأبواب ، قاله السدي ، وروى نحوه أبو صالح عن ابن عباس .

وفي ما أراد بذلك ثلاثة أقوال : 
أحدها : أنه خاف عليهم العين ، وكانوا أولي جمال وقوة ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة 
والثاني أنه خاف أن يغتالوا لما ظهر لهم في أرض مصر من التهمة، قاله وهب بن منبه 
والثالث أنه أحب أن يلقوا يوسف في خلوة ، قاله إبراهيم النخعي 

 
قال الامام ابن كثير في تفسير الاية : “ فانه كما قال ابن عباس ، ومحمد بن كعب ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي : إنه خشي عليهم العين ، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ، ومنظر وبهاء ، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم; فإن العين حق ، تستنزل الفارس عن فرسه “. 
 
وفي تفسير الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ( الدرر السنية 13 / 267 ) :قوله تعالى عن يعقوب عليه السلام : ” وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ “ [سورة يوسف آية : 67]  فيه مسائل :
الأولى: خوفه عليهم من العين .
الثانية: أمره لهم بالسبب الذي يمنع، ونهيهم عما قد يكون سببا لوقوعها .
الثالثة: أنه مع فعل السبب تبرأ من الالتفات إليه.
الخامسة: أنه دلهم على التوكل على الله.
السادسة: أنه أخبرهم أنه توكل عليه وحده لا شريك له، لا على علمه وفطنته; ولا على السبب الذي أمرهم به.
 
والحمد لله رب العالمين .

Visits: 2697