بسم الله الرحمن الرحيم
روى الامام البخاري في صحيحه من حديث ابي هريرة مرفوعا:” سبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه : الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأ في عبادةِ ربِّه، ورجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلان تحابَّا في اللهِ اجتَمَعا عليه وتفَرَّقا عليه، ورجلٌ طلَبَتْه امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجمالٍ، فقال إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصَدَّق، أخفَى حتى لا تَعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه، ورجلٌ ذَكَر اللهَ خاليًا، ففاضَتْ عيناه “.
قال ابن القيم : ” إنك إذا تأملت السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وجدتهم إنما نالوا ذلك الظل بمخالفة الهوى فإن الإمام المسلط القادر لا يتمكن من العدل إلا بمخالفة هواه ، والشاب المؤثر لعبادة الله على داعي شبابه لولا مخالفة هواه لم يقدر على ذلك ، والرجل الذي قلبه معلق بالمساجد إنما حمله على ذلك مخالفة الهوى الداعي له إلى أماكن اللذات ، والمتصدق المخفي لصدقته عن شماله لولا قهره لهواه لم يقدر على ذلك ، والذي دعته المرأة الجميلة الشريفة فخاف الله عز وجل وخالف هواه والذي ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه من خشيته إنما أوصله إلى ذلك مخالفة هواه فلم يكن لحر الموقف وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة .
وأصحاب الهوى قد بلغ منهم الحر والعرق كل مبلغ وهم ينتظرون بعد هذا دخول سجن الهوى فالله سبحانه وتعالى المسؤول أن يعيذنا من أهواء نفوسنا الأمارة بالسوء وأن يجعل هوانا تبعا لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. اهـ
وقال الإمام ابن رجب -رحمه الله- في نهاية شرحه لحديث: ( سبعة يظلهم الله في ظله … ) في شرحه لصحيح البخاري :
” وهذا الحديث يدل على أن هؤلاء السبعة يظلهم الله في ظله, ولا يدل على الحصر ولا على أن غيرهم لا يحصل له ذلك ؛فإنه صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أنظر معسراً أو وضع عنه , أظله الله في ظله ,يوم لا ظل إلا ظله) . خرجه مسلم من حديث أبي اليسر الأنصاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وخرّج الإمام أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ” من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ” وهذا يدل على أن المراد بظل الله : ظل عرشه . انظر فتح الباري لابن رجب (6/51) .
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره ص 409 عند ذكر العبر والفوائد الجليلة التي اشتملت عليها قصة يوسف عليه السلام : ” ومنها: أن الهمَّ الذي همَّ به يوسف بالمرأة ثم تركه لله، مما يقربه إلى الله زلفى ؛ لأن الهمّ داع من دواعي النفس الأمارة بالسوء، وهو طبيعة لأغلب الخلق، فلما قابل بينه وبين محبة الله وخشيته، غلبت محبة الله وخشيته داعي النفس والهوى . فكان ممن “خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى” ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، أحدهم: ” رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله ” وإنما الهم الذي يلام عليه العبد، الهم الذي يساكنه، ويصير عزماً، ربما اقترن به الفعل ” اه
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- “سمعت شيخنا يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول :” جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين ، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولا حتى يخرج إليهم ، فمن قهر هواه عز وساد ، ومن قهره هواه ذل وهان وهلك وباد “
ثم قال رفع الله درجته في المهدين : ” إن مخالفة الهوى توجب شرف الدنيا وشرف الآخرة ، وعزّ الظاهر وعزّ الباطن ، ومتابعته تضع العبد في الدنيا والآخرة وتذله في الظاهر وفي الباطن ، وإذا جمع الله الناس في صعيد واحد نادى مناد ليعلمن أهل الجمع من أهل الكرم اليوم ألا ليقم المتقون فيقومون إلى محل الكرامة ، وأتباع الهوى ناكسو رؤوسهم في الموقف في حر الهوى وعرقه وألمه وأولئك في ظل العرش “ اهـ
والحمد لله رب العالمين
Visits: 1016