متى يجوز للمُقرِض قُبول هديَّة المُقتَرِض

Home / الفقه / متى يجوز للمُقرِض قُبول هديَّة المُقتَرِض
متى يجوز للمُقرِض قُبول هديَّة المُقتَرِض
بسم الله الرحمن الرحيم
 
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنْ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  “ أَعْطُوهُ  “، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلا سِنًّا فَوْقَهَا ، فَقَالَ : (أَعْطُوهُ ، إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) .
رواه البخاري ومسلم
 
قال الامام ابن قدامة رحمه الله :
” فإن أقرضه مطلقا من غير شرط , فقضاه خيرا منه في القدر , أو الصفة , أو دونه , برضاهما , جاز 
ورخص في ذلك ابن عمر , وسعيد بن المسيب , والحسن , والنخعي , والشعبي , والزهري , ومكحول , وقتادة , ومالك , والشافعي , وإسحاق 
 
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بَكْرا , فرد خيرا منه . وقال : (خيركم أحسنكم قضاء) متفق عليه . وللبخاري : (أفضلكم أحسنكم قضاء) .
ولأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضا في القرض , ولا وسيلة إليه , ولا إلى استيفاء دينه , فحلت , كما لو لم يكن قرض …
 
وإن كان الرجل معروفا بحسن القضاء , لم يكره إقراضه .
وقال القاضي : فيه وجه آخر , أنه يكره ; لأنه يطمع في حسن عادته .
وهذا غير صحيح ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان معروفا بحسن القضاء , فهل يسوغ لأحد أن يقول : إن إقراضه مكروه , ولأن المعروف بحسن القضاء خير الناس وأفضلهم , وهو أولى الناس بقضاء حاجته , وإجابة مسألته , وتفريج كربته , فلا يجوز أن يكون ذلك مكروها , وإنما يمنع من الزيادة المشروطة ” انتهى من “المغني” (4/ 212).
 
 
ولكن لا يجوز أن يُهدي المقترض للمقرض شيئاً قبل سداد القرض ، ما لم تكن بينها عادة سابقة لقرابة ونحوها ؛
 
فقد روى ابن ماجه (2432) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي لَهُ . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى لَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلا يَرْكَبْهَا وَلا يَقْبَلْهُ ، إِلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ) حسَّنه الامام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (6/ 159) .
وضعفه الامام الالباني وغيره لاجل اسماعيل بن عياش الحمصي في روايته عن غير الشاميّين
 
ورَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (3814) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ (وهو عامر بن ابي موسى الاشعري  ) قال : أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ لِي : ” إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ (يعني أرض العراق) ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا  “.
و(القَتّ) نبات تأكله البهائم .
 
قال ابن القيم في “إعلام الموقعين” (3/136) : “وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ (يعني الصحابة) كَأُبَيّ بن كعب وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ نَهَوْا الْمُقْرِضَ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ , وَجَعَلُوا قَبُولَهَا رِبًا” اهـ .
 
قال صاحب زاد المستقنع : “وإن تبرع لمقرضه قبل وفائه بشيء لم تجر عادته به ، لم يجز ، إلا أن ينوي [أي المقرض] مكافأته [أي رد مثله] أو احتسابه من دَينْه ” .
 
 
والحكمة من هذا النهي ما ذكره شيخ الاسلام رحمه الله في – الفتاوى الكبرى – قال:
” نهى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المقرض عن قبول هدية المقترض قبل الوفاء ؛ لأن المقصود بالهدية أن يؤخر الاقتضاء وإن كان لم يشرط ذلك ولم يتكلم به فيصير بمنزلة أن يأخذ الألف بهدية ناجزة وألف مؤخرة وهذا ربا .
ولهذا جاز أن يزيد عند الوفاء ويهدي له بعد ذلك لزوال معنى الربا .” انتهى
من الفتاوى الكبرى – كتاب اقامة الدليل على ابطال التحليل -.
والحمد لله رب العالمين .

Visits: 73