أما بعد أيها المسلمون فإن محمد صلى الله عليه وسلم لم يلحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله به الدين ، وأظهر به التوحيد والسنة ، وسد به طرق الشرك والبدعة ، وحذر به من سلوك سبل الأمم السابقة المفضية للتحريف والفرقة ، وشرع به من الأعمال مافيه صلاح الخلق على أتم الوجوه قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) ( المائدة /3) ، فأصبح هذا الدين كاملاً ليس في حاجة لزيادة ، صالحاً لكل زمان ومكان ، كفيلاً بكل مايحتاجه البشر ، ولكن أعداء السنّه ومن يغيضهم التمسك بها حسنوا لبعض الناس الإبتداع في الدين ، وكسو البدع بمظهر الزهد ، والتقرب إلى رب العالمين ، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصدهم هو التحريف والتبديل في دين الإسلام وإفسادة ، ومزاحمة المشروع بالمبتدع ، وتولى كبر فتنة الإبتداع في الأمة علماء السوء ، وأرباب الطرق الصوفية ، فلقيت البدع رواجاً عند العوام فأصبحت هي المشروع وتركوا كثيراً من السنن ، وتفنن علماء السوء وأرباب الطرق الصوفية في تنويع البدع وتقسيمها على أيام السنة ، فهناك بدع يومية ، وبدع أسبوعية ، وبدع شهرية وبدع أربعينية وبدع سنوية ، فلا يخلو وقت من بدعة .
أيها المسلمون ومن هذه البدع الاحتفال برأس السنة الهجرية، ففي بداية كل سنة هجرية تحتفل بعض الدول الإسلامية بعيد رأس السنة الهجرية ، والاحتفال الاحتفال برأس السنة الهجرية أمر مُحدث مُبتدع ، لم يُؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم ، ولا عن السلف الصالح من التابعين وتابعيهم وأعلام الأمة وعلمائها من الأئمة الأربعة وغيرهم رحمة الله عليهم ، ولكن حدث ذلك بعد القرون المفضلة ، وكان أول من أحدث هذه البدعة الرافضة الفاطمية ، ظناً منهم أن الأول من محرم هو موعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما كانت هجرته صلى الله عليه وسلم في أوائل شهر ربيع الأول من السنة الثالثة عشرة لبعثته صلى الله عليه وسلم ، ثم اتخذ التأريخ بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأخر التاريخ من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم. ولقد تولدت عن هذه البدعة بدع وأخطاء :
1ـ فمن ذلك تخصيص خطب لأخر السنة الهجرية وبداية التي تليها يكون فيها تذكير بحادثة الهجرة النبوية ودعوة للناس لمحاسبة أنفسهم وحثهم على العمل الصالح في السنة الهجرية الجديدة ، ومثل هذا التخصيص لم يحدث في القرون المفضلة، وهم أحرص الناس على الخير وعلى إرشاد الناس وتعليمهم ، وعلى السبق لأعمال البر، ولو كان خيراً لسبقونا اليه ،
قال العلامة صالح الفوزان :
)تخصيص خطبة الجمعة لآخر العام لا نعرف لهذا أصل .. هذا يتدرج إلى البدع(
اجابات المهمة في المشاكل الملمة ج1/ص229 .
أيها المسلمون وإلتزام بعض الخطباء عن حسن نية في كل عام الحديث عن هذه الأمور قد يترتب عليه أن يأتي على الناس زمنٌ إذا تركت قالوا تركت السنة : ( قال ابن مسعود : كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة إذا ترك منها شيء قيل : تركت السنة ؟ ) قالوا : ومتى ذاك ؟ قال : ( إذا ذهبت علماؤكم وكثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين )رواه الدارمي ( 1/64 ) .
2ـ ومن ذلك ربط المطالبة بالتوبة والإستغفار بنهاية السنة ، ولامسوِّغ له شرعاً ولا عقلا ً وتأجيلَ التوبة من الذنوب وحقوقِ الآخرين إلى نهاية العام هو في حدِّ ذاته ذنبٌ يحتاج إلى توبة ، ثم هل نهايةُ العام هي لحظةُ الموتِ عند كل أحدٍ حتى يقالَ الأعمالُ بالخواتيم ، وهل لا تكون التوبةُ والاستغفارُ والاعتذارُ إلا في اليومِ الأخيرِ من كل سنة أو عند الموت ،والآيات والأحاديث تبين وجوب التوبة والإنابة والرجوع إلى الحق بمجرد الوقوع في الذنب، لا التأخير والتسويف إلى آخر العام الهجري.
3ـ ومن البدع تعظيم آخر جمعة من السنة بالاستغفار أو الدعاء ولم يرد على هذا التخصيص .
4ـ ومن الأخطاء اعتقاد أن هناك صحائف لأعمال الإنسان تطوى في نهاية كل عام هجري ولا دليل لمن قال بذلك ، فصحائفَ الأعمال إنما تطوى عند الموت، وليس عند نهاية السنة ، ورفعُ الأعمال جاءتِ السنةُ الصحيحةُ بتحديد أوقاتها، قال ابن القيم (عملُ العام يُرفع في شعبان ، كما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم ، ويُعرض عملُ الأسبوعِ يومَ الإثنينِ والخميس ، وعملُ اليومِ يُرفع في آخره قبلَ الليل ، وعملُ الليلِ في آخرهِ قبلَ النهار، فهذا الرفعُ في اليوم والليلة أخصُّ من الرفع في العام، وإذا انقضى الأجلُ رُفِعَ عملُ العُمُرِ كلِّهِ وطُوِيت صحيفةُ العمل) ا.هـ .
ثم أن عام كلِ إنسان هو تاريخ ولادته وليست نهاية العام الهجري ، كما أنه من المعلوم أن التقدير الحولي لا يكون الا في ليلة القدر في رمضان من كل عام والتي قال عنها تعالى (فيها يفرق كل أمر حكيم ) .
5ـ ومن البدع صلاةُ عشرِ ركعاتٍ، يقرأ في كل ركعة الفاتحةَ، وآيةَ الكرسي عشرَ مراتٍ، والإخلاصَ عشر مرات ، يعقب ذلك دعاء معين لليلتي أولِ يوم من السنة وآخرها، يردده الأئمة والعامة في المساجد في بعض البلدان الإسلامية ، وهذا الصنيع والدعاء لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم; ولا عن التابعين ولم يرو في مسند من المسانيد.
6ـ ومن البدع تخصيص آخر السنة الهجرية وأول التي تليها بالصيام واستند المبتدعة في ذلك إلى حديث ( من صام آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم فقد ختم السنة الماضية وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة ) وهو حديث موضوع رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/199)
7ـ ومن الأخطاء التهنئة بالعام الهجري الجديد ، والتهنئة بالعام الهجري الجديد لا معنى لها أصلاً،
قال الشيخ ابن باز رحمه الله( فالتهنئة بالعام الجديد لا نعلم لها أصلاً عن السلف الصالح، ولا أعلم شيئاً من السنة أو من الكتاب العزيز يدل على شرعيتها) فتاوى نور على الدرب
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله( ليس من السنة أن نحدث عيدا لدخوله (العام الهجري) أو نعتاد التهاني ببلوغه فليس الغبطة بكثرة السنين وإنما الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة مولاه]. الضياء اللامع
قال الشيخ صالح الفوزان حيث سئل عن التهنئة بالعام الهجري الجديد فأجاب( لا نعرف لهذا أصلاً، والتأريخ الهجري ليس المقصود منه هذا أن يجعل رأس السنة مناسبة وتُحيا ويصير فيها كلام وعيد و تهاني، و إنما جعل التأريخ الهجري من أجل تمييز العقود فقط ……. هذا يتدرج إلى البدع )
وقيل له حفظه الله : إذا قال لي شخص : كل عام و أنتم بخير، فهل هذه الكلمة مشروعة في هذه الأيام ؟ جواب: لا، ليست بمشروعة و لا يجوز هذا)) أ.ه انظر: ( الإجابات المهمة في المشاكل الملمة ) (ص229)
8ـ ومن البدع خاصةً عند النساء تخصيص أول يوم من محرم بلبس الثياب البيض وشرب الحليب تفاؤلاً باللون الأبيض أن تكون سنتهم الهجرية الجديدة سالمة من كل سوء ومصيبة ، وأكل الكراث في الفطور والملوخية في الغداء حتى تكونَ سنتهم خضراء جميلة ويفترش بعضهم السجاد الأخضر ويمشي عليه حتى تكونَ سنتهم سنة ربيع .
9ـ ومن البدع اجتناب شراء الفحم في أول يوم من السنة ، لأنه أسود تشاؤماً به .
أيها المسلمون والعباداتُ توقيفية ، قال صلى الله عليه و سلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ )متفق عليه ، و هذه الأخطاءُ والبدعُ وإن بدتْ صغيرةً في نَظَرِ بعضِنا، لكنْ معظمُ النار من مُسْتصغَر الشرر. وهذا حال بعضِ البدعِ تبدأ صغيرةً وهيِّنةً، فتكبر وتصبحُ شعيرةً وشريعة، فسدُّ هذا البابِ أولى. قال البربهاري( واحذرْ صغارَ المحدثاتِ من الأمور، فإن صغارَ البدع تعودُ حتى تصيرَ كباراً، وكذلك كلُّ بدعةٍ أُحْدِثت في هذه الأمة كان أولُها صغيراً يشبه الحقَّ فاغترَّ بذلك من دخل فيها ثم لم يستطعِ المخرجَ منها فعَظُمت وصارت ديناً يُدان بها فخالفَ الصراطَ المستقيم) ، وقال الإمامُ ابنُ تيميةَ( فالبدع تكون في أولها شبراً ثم تكثر في الأتباع حتى تصيرَ أذرعاً وأميالاً وفراسخ)،وقال الإمامُ ابنُ القيمِ( البدعُ تُستَدرَج بصغيرها إلى كبيرها حتى ينسلخَ صاحبُها من الدين كما تَنْسَلُّ الشعرةُ من العجين (
فأحذروا أيها المسلمون من البدع ومما أحدثه المبتدعون ، فالخير في الاتباع والشر في الابتداع قال صلى الله عليه و سلم ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود . وقال صلى الله عليه و سلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه مسلم .
ومن خلال ماتقرر من بدعية الإحتفال برأس السنة الهجرية وماذكر من البدع والأخطاء السابقة لذلك واللاحقه ، نعرف خطاً رسائل الجوال التي تنتشر بين الناس بمناسبة آخر العام وبداية العام الجديد ، فرسائل تدعو للتوبة ،وثانية تذكر بالإستغفار ،وثالثة تدعو لجعل الصيام ختام ، ورابعة تهنئ بالعام الجديد ، ومثل هذا دعوة لترويج البدع أو فتح لباب قد يؤدي للبدع ، فأحذروا من التغيير وألزموا السنة وحاربوا البدعة واتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم .
منقول للفائده عبد الله العنزي
Hits: 650