يقول شيخ الاسلام رحمه الله تعالى: “ للنَّاس في مقصود العبادات مذاهبُ؛ منهم من يقول: المقصود بها تهذيبُ أخلاق النفوس وتعديلها.. وليستْ هي مقصودةً في نفسها، وهذا قول متفلسفة اليونان، وقول مَن اتَّبعهم مِن الملاحدة والإسماعيليَّة وغيرهم من المتفلسفة الإسلاميِّين، كالفارابي وابن سينا وغيرهما، ، ومن سلك طريقهم من متكلِّمٍ، ومتصوِّفٍ، ومتفقِّهٍ، كما يوجد مثل ذلك في كتب أبي حامد [العزَّاليِّ (ت: 505)]، والسُّهْرَوَرْديِّ المقتول (ت: 632)، وابن رشد الحفيد (ت: 595)، وابن عربي (ت: 638)، وابن سبعين (ت: 669)، لكنْ أبو حامد يختلف كلامه؛ تارةً يوافقهم، وتارةً يخالفهم. وهذا القَدْرُ فعله ابن سينا وأمثاله ممن رام الجمع بين ما جاءت به الأنبياءُ وبين فلسفة المشَّائين: أرسطو، وأمثاله» ” .
وقال ابن تيمية ـ أيضًا ـ في سياق نقضه لقول الجهمية والفلاسفة ـ: «فهم إنَّما جعلوا العبادات لأجل إصلاح الأخلاق، بناءً على أنَّ المقصود بالقصد الأول: إنَّما هو تكميل النفس بهذا العلم، وأنَّ تهذيبَ الأخلاق ورياضةَ النفس تُعِدُّ النفسَ لذلك، والعباداتُ تُعين على ذلك. فإذا بُيِّن فسادُ الأصل الذي بنوا عليه كلامهم تبيَّن فسادُه من أصله “
وقال أيضا رحمه الله : “ليس المقصود بالدِّين الحقِّ مجرَّدَ المصلحة الدُّنيوية من إقامة العدل بين الناس في الأمور الدنيويَّة، كما يقوله طوائفُ من المتفلسفة في مقصود النَّواميس والنبوات، أنَّ المراد بها مجرَّدُ وضْع ما يحتاج إليه معاشهم في الدُّنيا من القانون العدلي الذي ينتظِم به معاشهم. إلى أن قال: وهؤلاء المتفلسفة الصَّابِئة المبتدِعة من المشَّائين، ومَن سلك مسلكَهم من المنتسبين إلى المِلل في المسلمين واليهود والنَّصارى؛ يجعلون الشرائع والنواميس لوضْع قانون تتمُّ به مصلحةُ الدُّنيا؛ ولهذا لا يأمرون فيها بالتوحيد، وهو عبادة الله وحده، ولا بالعمل للدَّار الآخِرة، ولا يَنهَوْن فيها عن الشِّرك، بل يأمرون فيها بالعدل والصِّدق والوفاء بالعهد، ونحو ذلك من الأمور التي لا تتمُّ مصلحةُ الحياة الدنيا إلَّا بها..”
إذًا العبادة أصلها القصد والإرادة، وأنَّ الله تعالى هو المألوه، أي: المعبود المقصود، المراد المطلوب
فعبادة الله هي أشرفُ الغايات، وهي مقصودةٌ في نفسها، خلافًا للمتفلسفة والمتكلِّمة والمتصوِّفة ممَّن جعل العباداتِ وسيلةً لتهذيب الأخلاق!
يقول ابن تيمية رحمه الله : “فالمقصود من الحجِّ عبادةُ الله وحده في البِقاع التي أمر الله بعبادته فيها؛ ولهذا كان الحجُّ شِعارَ الحنيفيَّة..”
Visits: 15