الخطأ الأول: التأخر في قسمة التركة بعد موت المُورِّث، الأمر الذي يُؤدِّي في الغالب إلى المشاكل والنزاعات، لا سيما إذا مات بعض الورثة بعد مُورِّثهم، وخلَّفوا من يرِثهم، فالذي ينبغي البدار إلى قسمة التركة حسمًا لمادة الخلاف ويتأكَّد الأمر إذا طالب بعض الورثة بذلك، لحاجتهم إلى المال، فتأخير القسمة والحالة هذه فيه منع للورثة من حقوقهم، وتماطل في إيصال الحقوق إلى أصحابها، وقد جاء في ” فتاوى اللجنة الدائمة “(16/440) برئاسة العلامة ابن باز رحمه الله، قولهم:« لا ينبغي تأخير قسمة التركة؛ لما يترتب على ذلك من تأخير دفع الحقوق إلى أصحابها، وبالتالي تأخير دفع الزكاة؛ لأن كل وارث يحتج بأنه لا يعرف نصيبه، أو لم يستلمه »انتهى .
الخطأ الثاني: قسمة التركة قبل موت المُورِّث وهذا على الصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يجوز، وهو الذي نصره العلامة العثيمين رحمه الله، واحتج من منع ذلك بعدد من الأدلة، منها:
الأول: أن في ذلك مخالفة لركن من أركان الميراث، وإسقاط لشرط من شروطه الذي هو التحقق من موت المُورِّث حقيقة أو حكمًا، قال العلامة قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أما موت المورِّث : فلقوله تعالى : [ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك ] النساء ( الآية 176 )، والهلاك : الموت ، وتركه لماله لا يكون إلا بعد انتقاله من الدنيا إلى الآخرة » “تسهيل الفرائض”(ص18) .
الثاني: أنه قد يموت الورثة أو بعضهم قبل مُورِّثهم، ومن مات قبل المُورِّث لا يرث، بل يصير هو المُورِّث الذي يورث، فإن وُرِّث قبل وفات مُورِّثه ثم مات يكون قد أخذ حقَّ غيره من الورثة الشرعيين بغير وجه حق .
الثالث: ربما يقوم بأحد الورثة مانعٌ من موانع الإرث، بأن يرتد مثلا، أو يُسترق، أو يقتل مورثه، فلا يستحق الميراث حينئذ
الرابع: قد يحتاج المُورِّث إلى ماله في حياته لمرض أو نحوه .
الخامس: أنه يفتح على نفسه بذلك باب العقوق، فقد ينفضُّ عنه الورثة عند أخذهم للإرث، فلا يقومون بمصالحه وخدمته، إلى غير ذلك من المفاسد المترتبة على قسمة التركة قبل موت المورِّث .
** لكن يجوز للمورِّث أن يتبرَّع لورثته بشيء من الهبات والعطايا في حياته بشرط العدل وعدم التفضيل بغير موجب، فقد سئلت ” اللجنة الدائمة ” هل يجوز للوالد أن يسجل مزرعة لأحد أولاده ويترك باقي الأولاد؟ حيث إن والدي سجل لي مزرعة وترك أختي وأخا صغيرا، هل أنا أتكفل بهؤلاء الأبناء أم أتركهما؟
فكان الجواب: يجب على الوالد أن يسوي بين أولاده في العطية حسب الميراث الشرعي، ولا يجوز له تخصيص بعضهم دون بعض؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: « أن أباه أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال: فأرجعه » متفق عليه ؛ وعليه فيجب على والدك أن يعدل العطية التي حصلت منه لبعض أولاده بأن يعطي كل واحد من أولاده مثل ما أعطى المذكور، أو يسترجع العطية منه، وإن كان والدك قد مات فاقسم التركة بينك وبين بقية الورثة حسب الحكم الشرعي. والله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد … عبد العزيز آل الشيخ … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز . ” الفتوى رقم ” ( 16575 ) .
الخطأ الثالث: التسرع في قسمة التركة قبل إخراج بعض الحقوق المتعلِّقة بها، والحقوق المتعلِّقة بالتركة قبل قسمتها خمسة، وهي على النحو التالي مرتَّبة:
الأول: مُؤن تجهيز الميت، من ثمن كفن، وأجرة غسَّال وحمَّال وحفَّار، إن لم يتيسَّر من يقوم بذلك تطوُّعًا .
الثاني: الديون سواء كانت متعلِّقة بعين التركة، أو مطلقة .
أما الديون المتعلِّقة بعين التركة، فكأن يكون الميت قد رهن بعض تركته مقابل دين في ذمته .
فإن هذه التركة المرهونة تصير إلى صاحب الدين إذا لم يقبض دينه من المورِّث ولا يقتسمها الورثة .
وأما الديون المطلقة، فسواء منها ما تعلَّق بحقِّ الله تعالى، كأن يكون على الميِّت نذرٌ بحجًّ أو عمرةٍ أو بصدقة، أو كفارة من أنواع الكفارات لم يوف به، أو كان دينًا لآدمي في ذمَّته، فيقضى من تركة الميت قبل قسمتها .
الثالث: الوصية بشروطها، تُخرَج من التركة كذلك قبل قسمتها .
والحاصل أن حقوق التركة على أنواع ثلاثة:
* حقٌّ للميت، وهو مؤن التجهيز، وحقٌّ عليه، وهو الديون بأنواعها، وحقٌّ لا له ولا عليه، وهو على قسمين: اختياري، وهو الوصية، واضطراري، وهو التركة والإرث .
الخطأ الرابع: إقامة ابن الابن مقام الابن الصُّلبي في الميراث، كما يفعله كثيرٌ من الناس، وكما هو المعمول به في المحاكم، ومن صُورِ هذه المسألة:
أن يكون لأحد الأشخاص ثلاثة من الولد مثلًا، فيموت أحد الأولاد قبل أبيه، ويُخلِّف ولدًا، ثم يموت الأب .
فتكون الفريضة على النحو التالي:
هالك عن ابنين، و ابن ابن، فهنا يُقيم بعضهم وهو المعمول به في المحاكم كما ذكرنا آنفًا، ابن الابن مقام أبيه المتوفى، فيصبح الميت كأنه تُوفِّي عن ثلاثة أبناء، فتكون أصل المسألة من ثلاثة، لكل واحد سهم، وهذا لا يجوز ألبتة .
لأن ابن الابن في هذه الحالة محجوب بالأبناء الصُّلبيِّين، والقاعدة الشائعة في علم الفرائض تقول: كل من أدلى بواسطة فإنه لا يرث مع وجودها بل تحجبه تلك الواسطة، وهذا هو الحال هنا، فإن ابن الابن إنما أدلى إلى الميِّت بواسطة الابن سواء الابن الصُّلبي أو الابن الأقرب، وهذه الواسطة هنا التي هي الابن الصلبي موجودة في هذه الصورة، فتحجب ابن الابن، فلا يرث، ويستثنى من هذه القاعدة؛ الأخ لأم فإنه يرث مع وجود الأم، والجدة الأبوية مع الأب، فإنها ترث مع الأب والجد .
ويبقى أن يقال: إن كان أولاد الابن المُتوفَّى فقراء فيستحب أن يوصي لهم جدُّهم والد أبيهم بوصية لا يُجاوز فيها الثلث، إلا إذا كانت التركة قليلة والورثة بحاجة ماسَّة إليها فهم أولى بها من غيرهم.
Visits: 557