العلامة حمد بن عتيق رحمه الله تعالى
“ومما ينبغي أن يعلم: أن العقل على ثلاثة أنواع :
1 – عقل غريزي.
2- عقل إيماني مستفاد من مشكاة النبوة.
3- عقل نفاقي شيطاني، يظن أربابه أنهم على شيء؛ وهذا العقل هو حظ كثير من الناس بل أكثرهم، وهو عين الهلاك، وثمرة النفاق. فإن أربابه يرون أن العقل إرضاء الناس جميعهم، وعدم مخالفتهم في أغراضهم وشهواتهم، واستجلاب مودتهم، ويقولون: صلح نفسك بالدخول مع الناس، ولا تبغض نفسك عندهم؛ وهذا هو إفساد النفس، وهلاكها من أربعة أمور:
أحدها: أن فاعل ذلك قد التمس رضى الناس بسخط الله، وصار الخلق في نفسه أَجَلُّ من الله؛ ومن التمس رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس؛ فقد ظهر أن هذا المداهن قد أفسد نفسه من حيث يظن أنه يصلحها.
الثاني: أن المداهن لا بد أن يفتح الله له باباً من الذل والهوان من حيث طلب العز; فكما هان عليه أمر الله، أهانه الله وأذله، قال تعالى : {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [سورة التوبة آية: 67].
الثالث: أنها إذا نزلت العقوبات، فالمداهن داخل فيها، كما في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] ، فالنجاة عند نزول العقوبات، هي لأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} الأعراف:165
الرابع: أن المداهن، الطالب رضى الخلق، أخبث حالاً من الزاني والسارق والشارب.
قال ابن القيم، رحمه الله تعالى: ” وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأمور المحبوبة لله، وأكثر الدينين لا يعبؤون منها، إلا بما شاركهم فيه عموم الناس، وأما الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ورسوله وعباده، ونصرة الله ورسوله وكتابه ودينه، فهذه الواجبات، لا يخطرن ببالهم، فضلاً عن أن يريدوا فعلها، فضلاً عن أن يفعلوها.
وأقل الناس ديناً، وأمقتهم إلى الله، من ترك هذه الواجبات، وإن زهد في الدنيا جميعها. وقل أن يرى منهم من يحمر وجهه، ويتمعر في الله، ويغضب لحُرماته، ويبذل عرضه في نصرة دينه؛ وأصحاب الكبائر أحسن حالاً عند الله من هؤلاء “. انتهى.
فلو قدر أن رجلاً يصوم النهار، ويقوم الليل، ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع ذلك لا يغضب، ولا يتمعَّر وجهه ويحمر لله، فلا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم ديناً؛ وأصحاب الكبائر أحسن حالا عند الله منه.
ولو علم طالب رضى الخلق، بترك الإنكار عليهم، أن أصحاب الكبائر أحسن حالاً عند الله منه، وإن كان عند نفسه صاحب دين، لتاب من مداهنته ونزع.
ولو تحقق من يبخل بلسانه عن الصدع بأمر الله أنه شيطان أخرس، وإن كان صائما قائماً زاهداً، لما ابتاع مشابهة الشيطان بأدنى الطمع.
اللهم إنا نعوذ بك من كل عمل يغضب الرحمن، ومن كل سجية تقربنا من التشبه بالشيطان، أو نداهن في ديننا أهل الشبهات والنفاق والكفران” انتهى باختصار، الدرر السنية في الأجوبة النجدية(8/ 74- 79) .
Visits: 543